قال الله تعالي : ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا 0 ايات 7:50:00 م A+ A- Print Email تفسير بن كثير// هذه وصايا نافعة حكاها اللّه سبحانه عن لقمان الحكيم ليمتثلها الناس ويقتدوا بها، فقال: { يا بنيّ إنها إن تك مثقال حبة من خردل} أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل، وكانت مخفية في السماوات أو في الأرض { يأت بها اللّه} أي أحضرها اللّه يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، وجازى عليها إن خيراً فخير، وإن شرا فشر، كما قال تعالى: { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً} الآية، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء، أو ذاهبة في أرجاء السماوات والأرض، فإن اللّه يأتي بها لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولهذا قال تعالى: { إن اللّه لطيف خبير} أي لطيف العلم فلا تخفى عليه الأشياء، وإن دقّت ولطفت وتضاءلت، { خبير} بدبيب النمل في الليل البهيم، وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله: { فتكن في صخرة} أنها صخرة تحت الأرضين السبع، والظاهر - واللّه أعلم - أن المراد أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة فإن اللّه سيبديها ويظهرها بلطيف عمله، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لخرج عمله للناس كائناً ما كان) ""أخرجه أحمد عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً""، ثم قال: { يا بنيَّ أقم الصلاة} أي بحدودها وفروضها وأوقاتها، { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر} أي بحسب طاقتك وجهدك، { واصبر على ما أصابك} لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر، وقوله: { إن ذلك من عزم الأمور} أي أن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور. وقوله تعالى: { ولا تصعر خدك للناس} يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم، ولكن أََلِنْ جانبك وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: (ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط)، قال ابن عباس يقول: لا تتكبر فتحتقر عباد اللّه وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك، وقال زيد بن أسلم { ولا تصعر خدك للناس} : لا تتكلم وأنت معرض، وقال إبراهيم النخعي: يعني بذلك التشدق في الكلام، والصواب القول الأول، قال الشاعر (هو عمرو بن حيي التغلبي ): وكنا إذا الجبار صعَّر خده ** أقمنا له من ميله فتقوما وقوله تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحاً} أي خيلاء متكبراً جباراً عنيداً، لا تفعل ذلك يبغضك اللّه، ولهذا قال: { إن اللّه لا يحب كل مختال فخور} أي مختال معجب في نفسه { فخور} أي على غيره، وقال تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً} . عن ثابت بن قيس بن شماس قال: ذكر الكبر عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشدد فيه فقال: (إن اللّه لا يحب كل مختال فخور) فقال رجل من القوم: واللّه يا رسول اللّه إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها ويعجبني شراك نعلي وعلاقة سوطي، فقال: (ليس ذلك الكبر، إنما الكبر أن تسفه الحق، وتغمط الناس) ""أخرجه الطبراني عن ثابت بن قيس وفيه قصة طويلة""، وقوله: { واقصد في مشيك} أي امش مقتصدا مشياً ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط بل عدلاً وسطاً بين بين وقوله: { واغضض من صوتك} أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه، ولهذا قال: { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} قال مجاهد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى اللّه تعالى، وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)، وروى النسائي عند تفسير هذه الآية عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا اللّه من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا باللّه من الشيطان، فإنها رأت شيطاناً) ""أخرجه النسائي وبقية الجماعة سوى ابن ماجه"". فهذه وصايا نافعة جدا، وهي من قصص القرآن العظيم، عن لقمان الحكيم، وقد روي عنه من الحكم والمواعظ أشياء كثيرة.
إرسال تعليق