Latest News

0

أولاً: خطوات الشيطان في إغراء الإنسان وإغوائه في هذه المعركة:

إنَّ الشيطان عدو للإنسان، وله دسائس، وله مصائد؛ قال - تعالى -: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6].

وهي مع خفائها واضحة للإنسان، ظاهرة للعيان؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[يوسف: 5].

وفي عملية الإغراء والإغواء يَستعمل معك خطة منهجية يُنفِّذها خطوةً خطوة؛ قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[النور: 21].

فما هي خطواته؟ وكيف يُنفِّذها؟ وما هي أساليبه؟ هذا ما سنعرفه من خلال ما قصَّه الله - تعالى -علينا من ذلك في كتابه الكريم، فمن أساليبه:

1- إنه يعرض فكرة الشر عن طريق الطيف والخيال؛ قال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف: 201][1].

فإذا تذكَّرت أبصرت، وإن رأى منك استجابةً تابع.


2- وإنه يلقي في قلبك ما يريد إلقاءه؛ قال - تعالى -: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)[الحج: 53].

3- ثم يكرر ذلك، وهي مرحلة الوسوسة؛ قال - تعالى -: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)[الناس: 4، 5].

4- ثم المبالغة بالتَّكرار، وعبَّر عنه الحق - تعالى -بـ الأزّ، وهو يشبه القِدر في غليانه؛ قال - تعالى -: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)[مريم: 83][2].

5- وإنه يَعِد ويُمنِّي؛ قال - تعالى -: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)[النساء: 120].

6- وأنه يزين لك الفكرة؛ قال - تعالى -: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)[النمل: 24].

وهكذا يستعمل معك الإغراء والإغواء.

7- وإن لم ينفع معك الإغراء والإغواء، استعمل معك أحيانًا أسلوب التخويف؛ قال - تعالى -: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ)[آل عمران: 175].

8- وإنه يسهل لك الطرق الموصلة إلى الضلال والانحراف، وقد جاء التعبير عن ذلك بالتسويل: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)[محمد: 25][3].

9- ومن أساليبه: الهمز؛ قال - تعالى -: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)[المؤمنون: 97، 98][4].

10- والنخس، وسماه الحق - عز وجل -: النزغ؛ قال - تعالى -: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأعراف: 200] [5].

ونزع الشيطان كالسم القاتل أو لسعة العقرب، وله آثار خطيرة إذا لم يلتجئ الإنسان فيه إلى الله؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، وقد تمتد لحظات أو ساعات، وقد تمتد أيامًا وشهورًا، وقد تمتد سنوات، وقد تمتد أعمارًا ودهورًا -نسأل الله السلامة- ولا ملجأ من شروره ونفثه إلا الاعتصام بالله، وفي هذا المعنى قلت:

نفثاتُ الشيطانِ في المرءِ تسري *** سريانَ الأرواحِ في الأجسادِ

لسعاتٌ لا يستطيع فكاكًا *** من أذاها إلا فتى العُبَّادِ

11- ومن أساليبه: المس، وينتج عنه التخبط؛ قال - تعالى -: (كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[البقرة: 275].

12- وقد يوقعك في الزلة، ويَغمسك في المعصية؛ قال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[آل عمران: 155].

13- وإنه يتبعك ويُتابعك حتى يوصلك إلى الغَواية: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ)[الأعراف: 175].

14- وعندها يستحوذ على قلبك، بمعنى: يحتل قلبك ويتمكن منه: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)[المجادلة: 19].

15- فيصبح صديقك المقرَّب وقرينك المحبَّب، ويصحبك في جميع أحوالك: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)[الزخرف: 36].

16- وساء هذا القرين، فهو أسوء صديق؛ لأنه يصحبك بالوهم والتخييل والتغرير: (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا)[النساء: 38].

17- وعندها يتنزل على قلبك متى ما شاء، ومتى ما أراد: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)[الشعراء: 221 - 223].

18- وعندها يوحي إليك ما يريد، والوحي هنا وحي شيطاني، وهو كناية عن الاتصال الخفي المستمر؛ قال - تعالى -: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ)[الأنعام: 121].

19- وبذلك تكون قد انتظمت في سلك أتباعه، ومن المنتسبين إلى حزبه، وهو مسؤولك الأول، ورئيسك الأوحد، وهو الذي يتحكم في جميع أفعالك، ويتولى كل أمورك؛ قال - تعالى -: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 27].

20- وعند ذلك تصبح عبدًا له عبوديةً مطلقة، وهذا هو الخسران المبين: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)[النساء: 117 - 119]

وبذلك تكون قد وصلت إلى مقام العبادة الحقة للشيطان، ونقضت عهد الله ألا تعبد إلا إياه - جل وعلا - بعد أن حذرك عندما قال الله - تعالى -: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[يس: 60].

ثانيًا: طرق المعالجة:

1- أن تعلم علم اليقين أنَّ كيده غاية في الضعف؛ لأنه لا سلطان له على الإنسان إلا بالوسوسة؛ قال - تعالى -: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[النساء: 76].

وعن ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، قال: فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة))[6].

2- الالتجاء إلى الله بقلب صادق، لا سيما في أوائل خطواته، ونفثاته، بمعنى إفشال الخطة من البداية؛ قال - تعالى -: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ)[المؤمنون: 97].

وبهذا نعلم حكمة الابتداء بالتعوذ من الشيطان في الصلاة.

________________________________

[1] قال ابن جزي في التسهيل (1/ 318): "طائف من الشيطان معناه: لمة منه، كما جاء: "إن للشيطان لمة وللملك لمة"، وقال الزمخشري في الكشاف (2/ 191): "طائف من الشيطان: لمة منه، مصدر من قولهم: طاف به الخيال يطيف طيفًا، قال:

أَنّى ألَمَّ بِكَ الخَيالُ يَطيفُ *** وَمَطافُه لَكَ ذِكرَةٌ وَشُعوفُ

بيت من الشعر لكعب بن زهير، وأنى: استفهام تعجُّبي بمعنى كيف، أو من أين، وألمَّ: أي: نزل للزيارة، والخيال: ما يراه النائم، وطاف به الخيال يطيف طيفًا ومطافًا: أقبل عليه وطاف حوله يطوف طوافًا وطوفانًا: حام عليه ودار حوله، ويُكنى به عن اللمس، وقوله: يطيف: جملة حالية مؤكِّدة أو مؤسِّسة، ومطافه: أي طيفه هو سبب التذكُّر، ووصول الحب لشغاف القلب، فأقام المسبب مقام السبب، وعبر عن نفسه أولاً بضمير الغيبة، وثانيًا بالخطاب على طريق الالتفات فرارًا من شبهة التكرار.

[2] قال ابن جزي في التسهيل (1/ 485): "أي: تُزعِجهم إلى الكفر والمعاصي".

[3] قال الزمخشري (4/ 326): "سوَّل لهم: سهل لهم ركوب العظائم، من السَّول وهو الاسترخاء، وقد اشتقه من السؤل من لا عِلم له بالتصريف والاشتقاق جميعًا، وأملى لهم: ومدَّ لهم في الآمال والأماني".

[4] جاء في تفسير الطبري (17/ 106): "وقل يا محمد: رب أستجير بك من خنق الشياطين وهمزاتها، والهمز: هو الغمز، ومن ذلك قيل للهمز في الكلام: همزة، والهمزات جمع همزة".

وقال الزمخشري في الكشاف (3/ 202): "الهمز: النخس، والهمزات: جمع المرة منه، ومنه: مهماز الرائض، والمعنى أن الشياطين يَحثون الناس على المعاصي ويُغرونهم عليها، كما تهمز الراضة الدواب حثًّا لها على المشي، ونحو الهمز الأز في قوله - تعالى -: (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)أمر بالتعوذ من نَخساتهم بلفظ المُبتهِل إلى ربه، المكرِّر لندائه، وبالتعوذ من أن يَحضروه أصلاً ويحوموا حوله".

[5] قال الزمخشري في الكشاف (2/ 190): "وإما ينزغنك من الشيطان نزْغ: وإما ينخسنك منه نخس؛ بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرتَ به فاستعذ بالله ولا تُطعه، النزغ والنسغ: الغرز والنخس، كأنه ينخس الناس حين يغريهم على المعاصي".

وقال البيضاوي (3/ 47): "نزغ: ينخسنك منه نخس، أي: وسوسة تحملك على خلاف ما أُمرت به كاعتراء غضب وفكر، والنزغ والنسغ والنخس الغرز، شبه وسوسته للناس إغراء لهم على المعاصي وإزعاجًا بغرز السائق ما يسوقه".

وقال ابن جزي في التسهيل (1/ 318): "نزغ الشيطان وسوسته بالتشكيك في الحق والأمر بالمعاصي أو تحريك الغضب، فأمر الله بالاستعاذة منه عند ذلك، كما ورد في الحديث أن رجلاً اشتدَّ غضبه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما به: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).

[6] أخرجه أحمد في مسنده (4/ 10) وأبو داود (5112) وقوله: ((الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة))، قال السندي: أي: كيد الشيطان إلى الوسوسة التي لا يؤاخذ بها المرء ولم يُمكنه من غير الوسوسة، وإلا لسعى فيه كما يسعى في الوسوسة، بل جعل ذلك في يد الإنسان، فلذلك امتنع من التكلُّم

إرسال تعليق

Emoticon
:) :)) ;(( :-) =)) ;( ;-( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ $-) (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.

 
Top