0

لأمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها فضائلُ كثيرة، أذكر بعضها؛ طلَبًا للاختصار، ولو استقصيتُ ذلك لزاد كثيرًا عن هذا المقدار، فمن ذلك:
(1) اختيار الله لها زوجةً لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أُريتُكِ في المنام ثلاثَ ليالٍ؛ جاءني بك الملَكُ في سرَقةٍ من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يكن مِن عند الله يُمضِه))[1].

قلتُ: وقد أمضاه الله؛ فهو من عند الله، وكفى بذلك شرفًا وفضلًا.

(2) وهي زوجته في الآخرة أيضًا:
عن أبي وائل، قال: لما بعَث عليٌّ عمارًا والحسنَ إلى الكوفة ليستنفرَهم خطب عمارٌ فقال: "إني لأعلَم أنها زوجةُ نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتَّبعوه أو إيَّاها"[2].

وعن عائشة رضي الله عنها أن جبريل جاء بصورتها في خِرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هذه زوجتُك في الدنيا والآخرة"[3].

وعنها أنها قالت: يا رسول الله، مَن مِن أزواجك في الجنة؟ فقال: ((أمَا إنك منهن))، قالت: فخُيِّل إليَّ أن ذاك لأنه لم يتزوَّج بِكرًا غيري[4].

وثبَت عند ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((أما ترضَين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة))[5].

(3) تسليم جبريل عليه السلام عليها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم يومًا: ((يا عائشُ، هذا جبريل يُقرئك السلام))، قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، تَرى ما لا نَرى؛ تريد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم[6].

(4) كان الوحي ينزل في بيتها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس يتَحرَّون بهداياهم يومَ عائشة، قالت: فاجتمَعن صواحبي إلى أم سلمة، فقُلن لها: إن الناس يتَحرَّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشةُ، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يُهدوا له أينَما كان، فذكرَت أمُّ سلمة له ذلك، فسكَت فلم يردَّ عليها، فعادت الثانيةَ، فلم يردَّ عليها، فلما كانت الثالثة قال: ((يا أمَّ سلمة، لا تؤذيني في عائشة؛ فإنه والله ما نزَل عليَّ الوحيُ وأنا في لحاف امرأة منكنَّ غيرها))[7].

وفي رواية أن أم سلمة قالت: أتوب إلى الله من أذاكَ يا رسول الله.

(5) حب النبي صلى الله عليه وسلم لها:
فقد كان صلى الله عليه وسلم يحبها حبًّا شديدًا يُظاهر به ولا يخفيه، فعن عمرِو بن العاص رضي الله عنه، أنَّه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، فقال: مِن الرجال؟ قال: ((أبوها))[8].

(6) وجوب محبتِها على كل أحد:
وذلك لما ثبتَ في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: ((ألستِ تحبِّين ما أحبُّ؟!)) قالت: بلى، قال: ((فأحِبي هذه))[9]؛ يعني عائشةَ.

قال الزركشيُّ: "وهذا الأمر ظاهر الوجوب"[10].

(7) أن محبتها محبةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم:
ويُستفاد هذا المعنى من الحديث السابق.

(8) لم يتزوج بكرًا غيرها:
ولقد كانت تَذكر ذلك من خصائصها التي خصَّها الله بها، وتفخر بذلك:
فعَنها رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، أرأيتَ إذا نزلتَ واديًا فيه شجرةٌ قد أُكل منها، ووجدتَ شجرة لم يُؤكل منها، في أيِّها كنتَ تُرتع بعيرَك؟ فيقول: ((إلى التي لم يؤكل منها))؛ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوَّج بكرًا غيرها[11].

(9) شهادة النبي لها بعلوِّ مكانتها:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريمُ بنت عمران، وآسيةُ امرأة فرعون، وفضل عائشةَ على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام))[12].

وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فضل عائشةَ على النساء كفضل الثريد على الطعام))[13].

(10) أنها أم المؤمنين:
فقد شرَّف الله زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعد آيات التخيير بأن جعلهنَّ أمهاتٍ للمؤمنين فقال تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6].

(11) أنها من أهل الجنة:
والأدلة على ذلك كثيرة:
فمنها ما تقدَّم من قول عمار رضي الله عنه: إني لأعلم أنها زوجةُ نبيكم في الدنيا والآخرة.

ومنها ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لها: ((أمَا ترضين أن تكوني زوجتي في الجنة؟!)).

ومنها أنها رضي الله عنها سألته: مَن مِن نسائك في الجنة؟ فقال: ((أما إنكِ منهن...))؛ الحديث، وقد تقدَّم.

ويؤيد ذلك أيضًا ما ثبَت في صحيح البخاري عن القاسم بن محمد أن عائشة اشتكَت، فجاء ابن عباس فقال: "يا أم المؤمنين، تَقدَمين على فرَطِ صِدق؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر"[14].

(12) أنها امرأة مبارَكة على المسلمين:
وقد شهد لها بذلك أُسيد بن حُضير في حضرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والصَّحب الكرام أجمعين رضي الله عنهم.

فقد كان مِن بركتها نزولُ آية التيمم رخصةً من الله عز وجل لمن لم يجد الماء؛ فقد ثبت في صحيح البخاري أنها استعارَت من أسماءَ قلادةً فهلكَت، فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابه في طلبها، فأدركَتهم الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، شكَوا ذلك، فنزلَت آية التيمم[15].

وفي روايةٍ أن أسيد بن حضير قال: ما هي بأول برَكتِكم يا آل أبي بكر، وفي رواية قال: جزاكِ الله خيرًا؛ فوالله ما نزَل بكِ أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجًا، وجعل لنا منه بركة.

(13) محبة النبي أن يُمرَّض في بيتها:
فعن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه، ويقول: ((أين أنا غدًا))؛ حرصًا على بيت عائشة، قالت عائشة: فلما كان يومي سكَن[16].

(14) وفاته صلى الله عليه وسلم في بيتها ودفنه فيه:
تقول عائشة رضي الله عنها: "إنَّ مِن نعم الله عليَّ أنَّ رسول الله توفِّي في بيتي، وفي يومي، وبين سَحري ونَحري، وأن الله جمَع بين ريقي وريقه عند موته..."؛ الحديث[17].

وفي روايةٍ: "جمَع الله بين ريقي ريقه في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة".

(15) إيذاء عائشة إيذاءٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، وحبها حبُّه:
ففي حديث أم سلمة المتقدِّم، وطلَبِهن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يُهدوا هداياهم حيث كان، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة))، قالت أم سلمة: أتوبُ إلى الله من أذاكَ يا رسول الله[18].

وثبَت أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ((أيْ بنيَّةُ، أتحبِّين ما أحب؟)) فقالت: بلى، قال: ((فأحبِّي هذه))[19].

(16) شهادة النبي لها بالخير:
في حديث الإفك أنَّه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر وقال: ((يا معشر المسلمين، مَن يَعذِرُني من رجلٍ قد بلغَني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله، ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا))[20].

(17) كان النبي صلى الله عليه وسلم يُراعي صغر سنِّها:
فعن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وكانت تأتيني صواحبي، فكن ينقَمِعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسرِّبهنَّ لي[21].

(18) أن الله هو الذي تولى تبرئتها:
بينما ترى أن الله عز وجل برَّأ يوسف عليه السلام بالشاهد حيث قال تعالى: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [يوسف: 26] إلخ الآيات، وبرَّأ مريم بولدها عيسى عليه السلام حيث قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾ [مريم: 27] الآيات إلى أن قال تعالى: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ الآيات [مريم: 30 - 34].

وأمَّا عائشة رضي الله عنها فقد برَّأها الله بذاته بقرآنٍ يُتلى إلى يوم القيامة، وما كانت تظنُّ ذلك! فقد قالت رضي الله عنها: "وأنا أرجو أن يبرِّئني الله، ولكن والله ما ظننتُ أن يُنزل في شأني وَحيًا، ولأَنا أحقرُ في نفسي من أن يتكلَّم بالقرآن في أمري"[22].

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنه قال بالبصرة يوم عرفة، وقد سُئل عن هذه الآيات: "مَن أذنب ذنبًا ثم تاب منه قُبلت توبته، إلا مَن خاض في إفكِ عائشة"، ثم قال: "برَّأ الله أربعةً بأربعة: يوسفَ بالوليد، وموسى بالحجَر، ومريمَ بإنطاق ولدها: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ [مريم: 30]، وبرَّأ عائشة بهذه الآيات العظيمة"[23].

قال الزركشيُّ: "فأفضلُ هذه التَّبرئات كان لعائشةَ الصدِّيقة"[24].

(19) تغليظ الإثم في إفك عائشة:
قال الزمخشريُّ: "ولو قلَّبتَ القرآن، وفتَّشت عما أوعدَ به العُصاة، لم تر الله عزَّ وجل قد غلَّظ في شيء تغليظَه في إفك عائشة"[25].

وتقدَّم قول ابن عباس رضي الله عنهما: "من أذنب ذنبًا ثم تاب منه قبلت توبته، إلا من خاض في إفك عائشة".


[1] البخاري (4790)، (6609)، (6610)، ومسلمٌ (2438)، ومعنى "سرَقة": قطعة.
[2] البخاري (6683)، (6688).
[3] رواه الترمذي (3815) وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في المشكاة (6182).
[4] صحيح: رواه ابن حبان (7096)، والحاكم (4/13)، والطبراني (13/990)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[5] صحيح: رواه ابن حبان (7095)، والحاكم (4/10)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه شعيب، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2255).
[6] البخاري (3045)، (3557). و"عائش": منادًى مُرخَّم.
[7] البخاري (2436)، (3554).
[8] البخاري (3462)، (4100)، ومسلم (2384)، والترمذي (3885)، وابن ماجه (101).
[9] رواه مسلم (1891)، والنسائي (7/64)، وانظر: صحيح البخاري (2442).
[10] الإجابة فيما استدركَته عائشةُ على الصحابة (44).
[11] البخاري (4789). ومعنى "ترتع": تتركه يرعى ويأكل ما يشاء.
[12] البخاري (3230)، (3250)، (5103)، (5112)، ومسلم (2431)، والترمذي (1834)، والنسائي (7/68)، وابن ماجه (3280).
[13] البخاري (5103)، (3559)، (5112)، (5446)، والترمذي (3887)، وابن ماجه (3281).
[14] البخاري (3560) (4476)، ومعنى "اشتكت": مَرِضت، و"فرط صدق" الفرَط: السابق، والمعنى أنه سبقك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر إلى الجنة، وتَقدَمين عليهما.
[15] البخاري (3562)، (4869)، ومسلم (109)، وأبو داود (317)، والنسائي (1/272)، وابن ماجه (568).
[16] البخاري (1323)، (4563)، ومسلم (2443).
[17] البخاري (4184)، (4174).
[18] البخاري (3554).
[19] مسلم (1891)، والنسائي (7/64)، وانظر: صحيح البخاري (2442).
[20] البخاري (3517)، ومسلم (2770).
[21] البخاري (5779)، ومسلم (2440). ومعنى "ينقمعن": أي يتغيَّبن حياءً منه وهيبة.
[22] البخاري (2568، 2453، 2542)، ومسلم (2445).
[23] نقلاً من كتاب "الإجابة" للزركشي (ص47).
[24] المصدر السابق.
[25] الكشَّاف للزمخشري (1/824).

إرسال تعليق

 
Top