يمثل هذا البحث، للباحث السوري في العلوم السياسية (محمد شهاب الدين)، والذي تنفرد أورينت نت بنشره على جزأين، محاولة لفهم المنبت الاجتماعي لعائلة الأسد، ليس من أجل إثارة فضول عرقي أو انتسابي عابر، بل من أجل فهم المنبت الطبقي المحمل بالأحقاد وعقد النقص التي مكنت حافظ الأسد بعد صعوده من ارتكاب كل هذه المجازر، وجيشت قسماً كبيراً من طائفته حوله، كي تسهم في بناء وتحصين مملكته الوراثية، التي هزت الثورة السورية أركانها.
إنها محاولة - كذلك- لتأمل طبيعة القيم والأعراف والسلم الأخلاقي التي شكلت معياراً من معايير الشر السياسي والاستبدادي، الذي رافق أداء هذه العائلة القمعي في التاريخ السوري، وجسد عبثها المدمر في البنية الاجتماعية والأخلاقية للشعب السوري طيلة عقود حكم الأسد الأب ثم الابن!
(أورينت نت)
تناولت العديد من الدراسات والأبحاث العلمية تاريخ الطائفة النصيرية (العلوية) إلا أنها تضاربت في معلوماتها وتفسيراتها من حيث الجذور والأصول العقائدية لهذه الطائفة والتي لسنا بصدد الحديث عنها وتفنيدها الآن؛ إلا أن مجمل هذه الدراسات قد أجمعت على أن النصيرية (العلوية) هم "فرقة من الشيعة الإمامية نفسها تماماً لكنهم انشقوا عنها بعد اتخاذهم طريقاً آخر بعد الإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن)، وآية ذلك أن لكل إمام وفق المذهب الاثني عشري الإمامي باب خاص به... وقد كان سلمان الفارسي باب الامام علي بن أبي طالب، وأما آخر باب في نظر العلويين هو (أبوشعيب محمد بن نصير) البصري النميري"- ومن هذا الاسم استمدت هذه الطائفة اسمها- وربما لهذا السبب كانت تكفرها العديد من الفرق الشيعية إلى أن أقرت إيران بأن النصيرية (العلوية) تنطوي تحت المذهب الشيعي، وذلك لأسباب سياسية من شأنها أن تخدم مشروع الهلال الفارسي (الشيعي) في منطقة الشرق الأوسط، وأما تسميتهم بالعلويين فقد كانت على يد فرنسا أثناء الإحتلال الفرنسي لسورية كما تشير الدراسات.
من بغداد وحلب إلى جبال الساحل السوري!
لقد كان للطائفة النصيرية (العلوية) عبر التاريخ مركزان الأول في بغداد والثاني في حلب ومن ثم انتقل إلى اللاذقية، أما مركز بغداد فقد اندثر مع دخول المغول إليها وأما مركز اللاذقية فقد استقر وبقي إلى يومنا والتي تشكل إحدى مكونات المجتمع السوري.
تضم الطائفة النصيرية (العلوية) عدداً من القبائل والعشائر أهمها: (القبيلة الكلبية) التي تقطن حالياً في القرداحة، و(الرشاونة)، و(المتاورة)، و(القراحلة) نسبة إلى منطقتهم حمام القراحلة الموجودة في محيط محافظة اللاذقية. ومن أشهر عشائرها (بنو رسلان) أو(الرسالنة) نسبة إلى جدهم رسلان، وهم من العرب الذين أتوا مع الأمير (حسن المكزون)، إضافة إلى (بنو حداد) نسبة للشيخ (محمد الحداد) ابن الأمير محمد السنجاري شقيق الأمير حسن مكزون، وكذلك (بنو الخياط) نسبة إلى الشيخ علي الخياط - وهم عرب الغساسنة- إضافة إلى آل (الخيّر) هذه العائلة الدينية التي طّلب منها المجيئ إلى القرداحة من قبل القبيلة الكلبية لإقامة الشعائر الدينية في القرداحة" بحسب عدد من المصادر التي تناولت أصول الطائفة النصيرية (العلوية) وغيرها الكثير من العشائر، إلا أن عشيرة "بنو الأسد" والتي عرفت بانتمائها للطائفة النصيرية فلم تأت أي من المصادر والمراجع على تاريخ أصول هذه العشيرة التي حكمت سورية لأكثر من خمسين عاماً بالحديد والنار... فمن هم "بنوا الأسد" وكيف هي نشأتهم وما هي الظروف التي أدت إلى وصولهم للسطلة يا ترى؟
ضمن هذه الدراسة سنتناول الجذور الواقعية لعشيرة "بنو الأسد" والظروف الموضوعية التي هيأت لها الوصول إلى السلطة في سورية ضمن إطار حكم الأب "حافظ الأسد" وتوريث الحكم لابنه "بشار الأسد" .
روايات باترك سيل: ماض بلا تـاريخ!
في أواخر القرن التاسع عشر "نزل مصارع تركي مجهول الهوية قرية (القرداحة) وراح يصدح صوته متحدياً الناس فيها فتجمهر القرويون للمشاهدة والتمتع ولكنهم مالبثوا أن أخذوا يتأوهون لمشاهدة أقرانهم يتساقطون واحداً تلو الآخر بين يدي هذا المصارع، وفجأة برز إليه رجل قوي البنية في الأربعينيات من عمره، وأمسك به من وسطه ورفعه في الهواء ثم طرحه أرضا،ً فصاح القرويون: يا له من وحش! إنه وحش!! وكان اسم هذا البطل سليمان ولكنه منذ ذلك الحين أصبح يعرف بـ سليمان الوحش".
هكذا اختصر لنا باتريك سيل نسب عائلة "الأسد" التي ظهرت بعد هذه القصة وكان بطلها سليمان الوحش جدّ حافظ علي الأسد حاكم سورية السابق والد ولي العهد بشار الأسد. كان هذا في كتاب "الصراع على الشرق الأوسط" للكاتب البريطاني المقرب من عائلة الأسد. ولكن ماذا قبل سليمان الوحش يا ترى؟ أين كان يقطن وما هو موطنه؟ وبماذا كان يكنّى قبل ذلك ومن هو والده؟ أهكذا العرب تعدد أنسابها!! ولمن... لعشيرة حاكمة!!
لقد تعددت المعلومات حول حقيقة أصول عائلة الأسد فكان منها أن أصل هذه العائلة من أصفهان ثم انحدرت إلى كيليكية وانتهت بمجيئ سليمان إلى القرداحة واستقراره بها، ومنها ما تشير إلى أن سليمان يدعى بسليمان البهرزي نسبة لمدينته "بهرز" وهي منطقة عراقية تتبع إدارياً لمحافظة ديالي شرق العراق وأنه من أصل يهودي وتم زرعه بين الطائفة العلوية لتهيئة عائلته للحكم والسيطرة على سورية.. وغيرها الكثير من المعلومات المتضاربة والتي لا تسند إلى دعائم وركائز موضوعية حول هذا الأمر ولكن تضارب المعلومات يؤكد على الشكوك الكثيرة فيما يخص أصول هذه العائلة.
يزعم باترك سيل أن عائلة علي سليمان تترأس عشيرة (العيلة) الفرعية من قبيلة (الكلبية )، بينما يقول (فان دام) أنهم فرع من عشيرة المتاورة.. وهو مركز متواضع ولكنه حقيقي، كما يرى باحثين آخرين... بينما يقول دانيال لوغاك في كتابه (سورية الجنرال الأسد) عن انتماءات حافظ العائلية:
"كان حافظ الأسد ابناً لأحد صغار الأعيان في القرداحة، وكان ينتمي إلى عائلة ذات نفوذ كبير، من قبيلة (الكلبية) التي كانت تسكن منطقة الجبال الساحلية. وكان جده سليمان علي قد عمل في خدمة عائلات ثرية من السنة والمسيحيين الذين كانوا يريدون السيطرة على المزارعين العلويين، بينما كان والده (علي الأسد) مزاراعاً يحظى بالاحترام في قريته، ومعروفاً بشجاعته وقوة شخصيته".
نظرة على تحقيق الأنساب!
ولكي نصل لنتيجة منطقية حول هذا الموضوع فلابد أن نعرف في بادئ الأمر أن النسابين العرب يعتمدون على عدة طرق في تحصيل نسب القبائل والعشائر والعائلات، أولها هي:
1- وجود اسم العشيرة أوالعائلة المراد تفنيد أنسابها للتمكن من البحث عنها في شروحات العرب القديمة وأمهاتها وباسقاط ذلك على "بنو الأسد" نجد أنه بالأساس لم يُعرف أي اسم عائلة للجد سليمان قبل وقوع قصة "المصارع" وعلى الرغم من أن باترك سيل نسبه للقبيلة "الكلبية" إلا أنه لم يجروء على ذكر اسم عائلته التي تتبع لهذه القبيلة في أي موضع من مواضع كتابه خوفاً من تبعات انكشاف هذه الكذبة في حال وقوع هذا الأمر إضافة لذلك فإن ما يؤكد تضارب المعلومات في هذا المضمار هي رسالة الدكتورا لـ "نيقولاوس فان دام" بعنوان "الصراع على السلطة في سورية" فقد نسب فيها "بنو الأسد" إلى قبيلة المتاورة ولكنه أيضاً لم يذكر أسم العائلة التي ينتمي إليها سليمان الوحش فهذا التضارب في المعلومات كفيل باسقإط كلتا النظريتان .
2- تدوين المعلومات المتواترة عن كبار السن التابعين للعشيرة والعائلة المراد تحصيل أنسابها أومن قبل كبار يتبعون لعشائر أخرى محيطين بها جغرافياً وفي هذا السياق أظن أنه لو كان هناك أي ثغرة تمكن "بنو الأسد" من إثبات نسب لهم من إحدى القبائل المكونة للطائفة النصيرية (العلوية) لما توانت عن فعل ذلك قيد انملة لما في ذلك من تعزيز الولاءات الطائفة للعشيرتها وتوطيد حكمها أكثر فأكثر وعلى الجانب الآخر وفق هذا المضمار فلابد من الاستشهاد بما قالته الأستاذة سلمى الخير ابنت الشيخ عبد الرحمن الخير- كبير مشايخ الطائفة النصيرية (العلوية)- للدكتور محمود الدغيم عندما كانت مدرّسة (فلسفة) في دار المعلمين بالجزائر أن "حافظ علي الأسد ليس من أهل القرداحة، وإنما جاء جده إليها وقد سكن في البداية عند مدخلها اي خارج القرية، وقد أطلق عليهم لقب بيت (الحسنة) أي الصدقة، لأن أهل القرية كانوا يتصدقون عليهم بسبب تدني ظروفهم المعيشية... فقد كانوا فقراء ولم تكن لديهم أية أملاك في القرية، إلا أنه وأولاده كانوا أشداء في أجسامهم فأطلق عليهم أيضاً لقب (الوحش) ومع وجود الانتداب الفرنسي في سورية قد تم تسميتهم من قبلهم بعائلة (الأسد) وقام مجلس الطائفة بتعميم لقبهم هذا في القرية وباتوا يعرفون بعائلة الأسد".
تمثل هذه الشهادة إحدى شروط الطرق الرئيسية في تأصيل الأنساب فآل الخيّر هم من كبار عائلات الطائفة النصيرية (العلوية) الدينية وأحد أهم أعضاء مجلس الطائفة وبالتالي هم من الوجهاء المعروفين والمحيطين بالظروف المادية والموضوعية لـ "بنو الأسد" وهذه المعلومات التي قدمتها الأستاذة سلمى تتقاطع في العديد من الظروف التي بيّنها (باتريك سيل) فيما يخص اللقب بغض النظر عما إذا كان سببه قصة المصارع التركي، أم القوة البدنية، فكلاهما يعبران عن نتيجة واحدة... إلا أن الأهم في كلام الخيّر أنه لم يكن لـ "بنو الأسد" أية أملاك في القرية، وهذا الأمر يشكل نتيجة منطقية، لمسألة قدوم (سليمان الوحش) للقرية، وأنه ليس من أبنائها.. فحتى الفقراء نجد لديهم أملاكاً، تعود لآبائهم وأجدادهم في مناطق النشأة الأولى.
تجنب الحديث عن الأصل العائلي!
ومما سبق يتبين لنا بأن عشيرة "بنو الأسد" لا تعود أصولها لمناطق الطائفة النصيرية (العلوية) وربما لا تنتمي لأي منطقة سورية، والذي يؤكد هذه الشكوك هو التجنب الدائم في الحديث عن أصول عائلة الأسد من قبل أطراف النظام السوري مجتمعة حتى يومنا هذا، فضلا عن أن هذه المهمة تركت لباحثين أجانب كباترك سيل وفان دام ودانيال لوغاك، وسواهم ممن كتبوا عن صعود الأسد لحكم سورية، في لعبة الصراع السياسي والعسكري والطائفي.
والحقيقة إن ما يهمنا كشعب سوري، ليس معرفة الموطن الأصلي لعائلة الأسد من أجل التغني به أو لعنه، بقدر ما يهمنا معرفة حقيقة مفادها: أن هذه العشيرة التي حكمت سورية باسم الطائفة النصيرية (العلوية) هي في حقيقة الأمر لا تمت لها بصلة، ولا حتى للشعب السوري بأسره؛ إلا أنه وللأسف الشديد فإن جزءاً كبيراً من الطائفة النصيرية لم تعِ هذا الأمر، وعلى الرغم من انكشافه بشكل جلي منذ قيام الثورة السورية عام 2011م، حيث أدى اصطفاف قسم كبير من الطائفة وراء هذه العائلة المجهولة الأصول والنسب، إلى التصاق سمة القتل والتدمير باسم هذه الطائفة، وهذا ما سعى له (بنو الأسد) ومن كان من خلفهم دعماً وتأصيلاً.
ظروف تكوين المملكة...
مما لا شك فيه أن لمملكة (بنو الأسد) كما لكل الممالك وأنظمة الحكم الشمولية، ظروف وأسباب شكلت الركائز الأساسية لقيامها واستمراريتها كلاعب فاعل ضمن "لعبة الأمم"، وقد تناولت معظم أدبيات العلاقات الدولية في هذا المضمار عدة مستويات لتحليل الظاهرة السياسية تحليلاً منطقياً، بهدف الوصول لتفسيرات واقعية وموضوعية تجاه الظاهرة.. وعليه يمكن القول بأنه كان لمملكة "بنوالأسد" عدة أبعاد ومستويات... فكان منها المستوى الدولي، والمستوى المجتمعي، ومن ثم المستوى الفردي... وكل منها شكل إطاراً ولبنة جسدت قيام هذه المملكة القهرية، التي حكمت سورية لعقود مأساوية طويلة.
لقد مارس "سليمان الوحش" السلطة بطرق سلمية من خلال قوته الجسدية حيث عمل كقاض يحل النزاعات التي تقوم بين العائلات في القرية وهذا ما أكسبه مكانة خاصة قربته من مجلس وجهاء الطائفة النصيرية (العلوية) وهذا ما أخذه عنه ابنه (علي)، والد حافظ الأسد الذي لم يكن يتصور ربما أن هناك ما سيمهد الطريق لابنه في الوصول إلى رأس هرم السلطة في سورية عام 1970م.
أوصياء الماضي وأصدقاء الحاضر!
لقد تمكنت فرنسا أثناء الانتداب على سورية 1920م من تقطيع أوصالها، فكان من نتاج ذلك إعلان حلب ودمشق عاصمتين لدولتين منفصلتين إضافة إلى فصل جبل العلويين والدروز عن دمشق وإعلانهما دولتين منفصلتين عام 1922م، وهذا ليس بغريب عن سياستها المعتمدة آنذاك "فرّق تسد" وبحجة أنها نصبت نفسها حامية الأقليات في سورية فقد تمكنت من الدخول فيهم واستخدامهم كأداة للسيطرة على الحكم وقمع الاحتجاجات والاضطرابات القائمة من قبل السوريين في تلك الفترة وذلك من خلال انشاء "قوات المشرق الخاصة" عام 1921م تحت إمرة ضباط فرنسيين ليخدم فيها أهل الطائفة النصيرية (العلوية) والأرمنية والشراكس وغيرهم مستغلين بذلك عدم توافر فرص العمل لأفراد هذه الطوائف أثناء تلك المرحلة العصيبة
ويمكن القول أن هذه القوات كانت بمثابة جسر عبور لفكرة تكتلات عسكرية ذات بعد طائفي (نصيري) كان بطلها الموعود للفترة اللاحقة حافظ علي الأسد خُدعت بها الطائفة النصيرية (العلوية) كما هو حال حكومات ما قبلها بعدم وعيها تبعات ذلك وعلى مايبدو أن طور التأسيس قد بدأ عندما شب علي الأسد وأصبح برفقة أبيه في كل أمر وهذا ما بدا جلياً في علاقاتهم الجيدة مع الفرنسيين التي تجلت من خلال الوثيقة المعروفة التي خطها الممثلون النصيريون وكان من ضمنهم سليمان الأسد برفقة ابنه علي الأسد المطالبة بعدم رحيل الانتداب عن سورية أو إقامة حكم ذاتي للمناطق النصيرية (العلوية) والتي تعتبر نقطة تحول هامة في كشف النوايا الحقيقية في نفوس الموقعين وعلى رأسهم سليمان الأسد وفي هذا السياق فقد قال باتريك سيل: " في العام 1936م أرسلت دمشق وفداً إلى باريس يحاول التفاوض معها على معاهدة فرنسا لتكون خطوة على طريق الاستقلال وكان من بين المواضيع الهامة بين فرنسا والوطنيين مصير الدولتين العلوية والدرزية، وكان الوطنيون يريدون توحيدهما مع سورية عكس النوايا الفرنسية وعندما شكلت الكتلة الوطنية السورية في دمشق عقب اتفاقية تأخرت طويلاً مع حكومة الجبهة الشعبية التي كان يترأسها ليون بلوم فقد حاولت تلك الكتلة أن تكبح مد النزعة الانفصالية فكوفئ عزيز الهواش (الذي كان أبرز علوي وقف في صف الوطنيين السوريين) بتعينه محافظاً لدمشق ولكن المندوب السامي الفرنسي لم يصادق عليها وفي سنة 1939م عين شوكت عباس حاكماً للدويلة العلوية، وكما أن جدّ الأسد سليمان لم يتفق مع الانتداب قط ولم يذعن للمتعاونيين الذين كانوا مدنيين ببروزهم للفرنسيين" !! إلّا أن الوثيقة التي وقعها النصيريون (العلويون) المطالبة بعدم رحيل الانتداب الفرنسي عن سورية الآنفة الذكر تقول عكس ذلك فقد كان من ضمن الأسماء الخمسة الموقعة عليها هم عزيز آغا الهواش وسليمان الأسد وهذا يؤكد نفي المعلومات التي أوردها باترك سيل عن عدم تورط سليمان الأسد مع الفرنسيين في خيانة الوطنيين السوريين.
ويؤكد بعض الباحثين في هذا المجال بأن هذه الوثيقة الموجودة حالياً في أرشيف الخارجية الفرنسية والمحفوظة تحت رقم 3547 بتاريخ 1936/6/15 -والتي أصبحت متاحة على الصفحات الالكترونية الآن- بأن النص الجوابي على هذه الوثيقة من قبل الحكومة الفرنسية، قد أثنى على التعاون النصيري (العلوي) طوال فترة الانتداب مع الفرنسيين، وتمت طمأنتهم بأنهم لن يتخلوا عن مستقبل الطائفة. فحتى لو تم إنهاء الانتداب الفرنسي ستبقى فرنسا حامية للأقليات، وأنه سوف يأتي يوم لن يحكموا فيه الجبل فقط وإنما سورية بأسرها!
يعتبر ذلك بمثابة تأكيد على نوايا لاحقة قد تجسدت فعلياً في وصول حافظ الأسد لسدة الحكم وليس المقصود هنا الطائفة النصيرية (العلوية) وإنما من نصبوا أنفسهم ممثلين عنها... فلا يمكن – بالضرورة- إهمال المذكرات العديدة التي أصدرتها رجالات الدين النصيرية المؤيدة للوحدة السورية في ذلك الحين إلا أن الإرادة الخارجية قد هيمنت على الموقف في الفترات اللاحقة بنجاح عائلة الأسد بالسيطرة على مصير الطائفة النصيرية ومن ثم مصير سورية بأسرها وقد نجح في ذلك.
مما سبق يمكن تفهم الوضع الجيد والاستثنائي لعلي سليمان الأسد سواء فيما يتعلق بتقديم التعليم الجيد لابنه حافظ الأسد في وقت لم يكن لأحد فيه من أبناء القرية يستطيع أن يحظى بتعلم فك الحروف، إضافة إلى تحليل الظروف التي سمحت لعلي الأسد من وصول الجرائد الرسمية له لمتابعة مجريات الحرب العالمية في وقت لم تكن فيه هناك أي وسيلة إعلامية تذكر في المنطقة فكيف تمكنت من كل ذلك عائلة شديدة الفقر كما عرف عنها يا ترى؟!!
ويقال أن علي سليمان استطاع أن يتحول من فلاح بسيط إلى أحد الوجهاء، وقد كافأه أهل القرداحة بأن طلبوا منه تغيير اللقب من الوحش إلى الأسـد في عام (1927).. وإذا صح هذا الكلام فربما يفسر شيئاً من التحول في أوضاع العائلة...
إلّا أن ما يثير السخرية في نفوس الكثيرين من الشعب السوري الآن هو أن الراعي الأول و واضع الحجر الأساس لحكم (بنو الأسد) وهي فرنسا، قد أصبحت اليوم صديقة للشعب السوري... وعلى ضوء ما يجري من أحداث منذ قيام الثورة السورية عام 2011م باتت تدين نظام بشار الأسد على الانتهاكات التي مارسها ضد حقوق الإنسان في سورية... والأكثر مدعاة للسخرية، عندما واجه مندوب فرنسا الدائم في الأمم المتحدة (فابيوس) مندوب النظام (بشار الجعفري) بخيانة سليمان الأسد لوحدة سورية من خلال عرضه الوثيقة المعروفة!!
كابوس سوري يعلن حكماً أسدياً..
في السادس من تشرين من العام 1930م ولد من كان مقدراً له، أن يُدخل ذكر (عائلة الأسد) المجهولة إلى هوامش التاريخ، فيكون بهذا المعنى: أمير (بنو الأسد) ولو بأثر رجعي... حين انتشل عائلته من غياهب المبني للمجهول... وقلد العديد من أفرادها مناصباً، من دون أن يورثها مجداً، او احتراماً حقيقياً في نفوس السوريين، الذين لا ينسون تشبيح، وسوء أخلاق معظم أفرادها معهم...
ولد حافظ الأسد في أول شتاء عرفته ثلاثينيات القرن العشرين... ليغدو في مسيرته العسكرية المغامرة والغامضة والمليئة بالتقلبات والغدر بأصحاب الفضل (الطائفي) عليه، حاكماً مطلقاً على سورية بأسرها كما وعد الفرنسيون في ردهم التطميني على رسالة أعيان الطائفة العلوية المطالبة بدويلة علوية.
درس حافظ علي الأسد، الابتدائية في القرية، ومن ثم استكمل الثانوية في مدرسة (جول جمال) بمحافظة اللاذقية عام 1944م وسط أجواء سياسية محتدمة في نقاشاتها ما بين التيارات القومية والشيوعية والإسلامية، لينتهي به الأمر إلى انضمامه لحزب البعث العربي.
عند انتهاءه من الدراسة الثانوية دخل الأسد الكلية الجوية في حمص عام 1951م فكان ذلك بداية الطريق نحو تحقيق أحلام السلطة، إذ تخرج من الكلية الجوية برتبة ملازم طيار عام 1955م وهذه كانت مرحلة التهيئة لقيام الجمهورية العربية المتحدة فغدت فترة كفيلة لتفكير استراتيجي يرسم طريق الأسد المستقبلي .
لا أحد يستطيع أن ينكر دهاء ومكر هذا الرجل وخاصة أمام نظرائه في المنطقة لتلك الفترة الذي نجح بتحقيق طموحاته الديكتاتورية وبصورة شرعية وقومية ثورية، لقد أدرك الأسد منذ دخوله الجناح العسكري الأهمية الاستراتيجية للمنظور الواقعي داخل الحلبة السياسية أي أهمية القوة العسكرية التي من خلالها يمكن تحقيق النصر والاستقرار السياسي الداخلي للحاكم - وهذا ما عمل عليه حافظ الأسد طيلة فترات حكمه التي مكنته من توطيد الحكم وتوريثه لابنه بشار الأسد- ويمكن القول أن استراتيجيته هذه بدأت برسم خطواتها الأولى منذ إعادة تشكل اللجنة العسكرية لحزب البعث عام 1957م بسيطرة من قبل ما عرف بالمثلث (العلوي) محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد ولعب الدور الأبرز في الانفصال عن مصر عام 1961م ومن ثم حركة 23 شباط 1963م التي مثلت جسر العبور نحو سدة الحكم إذ شكل هذا الإنقلاب الإطار العام لاستراتيجية الأسد الساعية لاحتكام السلطة، واضعاً نصب عينيه التجارب الانقلابية السابقة في الداخل السوري والإقليمي فبدأ يعمل على جانبين اثنين الأول العسكري وذلك بإعادة ترتيب العلاقات وتبدلها مع حلفاء عسكريين بما يتناسب مع الانقلاب اللاحق أما الثاني فهو الجانب الحزبي (البعثي) لضمان عدم انتصار منافسيين داخليين على مستوى القيادات المدنية من جهة وتوفير الغطاء السياسي اللازم لشرعنة الانقلاب العسكري وتوطيده من جهة أخرى وهذا ما حصل عام 1970م.
المصدر اوينت نت
إنها محاولة - كذلك- لتأمل طبيعة القيم والأعراف والسلم الأخلاقي التي شكلت معياراً من معايير الشر السياسي والاستبدادي، الذي رافق أداء هذه العائلة القمعي في التاريخ السوري، وجسد عبثها المدمر في البنية الاجتماعية والأخلاقية للشعب السوري طيلة عقود حكم الأسد الأب ثم الابن!
(أورينت نت)
تناولت العديد من الدراسات والأبحاث العلمية تاريخ الطائفة النصيرية (العلوية) إلا أنها تضاربت في معلوماتها وتفسيراتها من حيث الجذور والأصول العقائدية لهذه الطائفة والتي لسنا بصدد الحديث عنها وتفنيدها الآن؛ إلا أن مجمل هذه الدراسات قد أجمعت على أن النصيرية (العلوية) هم "فرقة من الشيعة الإمامية نفسها تماماً لكنهم انشقوا عنها بعد اتخاذهم طريقاً آخر بعد الإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن)، وآية ذلك أن لكل إمام وفق المذهب الاثني عشري الإمامي باب خاص به... وقد كان سلمان الفارسي باب الامام علي بن أبي طالب، وأما آخر باب في نظر العلويين هو (أبوشعيب محمد بن نصير) البصري النميري"- ومن هذا الاسم استمدت هذه الطائفة اسمها- وربما لهذا السبب كانت تكفرها العديد من الفرق الشيعية إلى أن أقرت إيران بأن النصيرية (العلوية) تنطوي تحت المذهب الشيعي، وذلك لأسباب سياسية من شأنها أن تخدم مشروع الهلال الفارسي (الشيعي) في منطقة الشرق الأوسط، وأما تسميتهم بالعلويين فقد كانت على يد فرنسا أثناء الإحتلال الفرنسي لسورية كما تشير الدراسات.
من بغداد وحلب إلى جبال الساحل السوري!
لقد كان للطائفة النصيرية (العلوية) عبر التاريخ مركزان الأول في بغداد والثاني في حلب ومن ثم انتقل إلى اللاذقية، أما مركز بغداد فقد اندثر مع دخول المغول إليها وأما مركز اللاذقية فقد استقر وبقي إلى يومنا والتي تشكل إحدى مكونات المجتمع السوري.
تضم الطائفة النصيرية (العلوية) عدداً من القبائل والعشائر أهمها: (القبيلة الكلبية) التي تقطن حالياً في القرداحة، و(الرشاونة)، و(المتاورة)، و(القراحلة) نسبة إلى منطقتهم حمام القراحلة الموجودة في محيط محافظة اللاذقية. ومن أشهر عشائرها (بنو رسلان) أو(الرسالنة) نسبة إلى جدهم رسلان، وهم من العرب الذين أتوا مع الأمير (حسن المكزون)، إضافة إلى (بنو حداد) نسبة للشيخ (محمد الحداد) ابن الأمير محمد السنجاري شقيق الأمير حسن مكزون، وكذلك (بنو الخياط) نسبة إلى الشيخ علي الخياط - وهم عرب الغساسنة- إضافة إلى آل (الخيّر) هذه العائلة الدينية التي طّلب منها المجيئ إلى القرداحة من قبل القبيلة الكلبية لإقامة الشعائر الدينية في القرداحة" بحسب عدد من المصادر التي تناولت أصول الطائفة النصيرية (العلوية) وغيرها الكثير من العشائر، إلا أن عشيرة "بنو الأسد" والتي عرفت بانتمائها للطائفة النصيرية فلم تأت أي من المصادر والمراجع على تاريخ أصول هذه العشيرة التي حكمت سورية لأكثر من خمسين عاماً بالحديد والنار... فمن هم "بنوا الأسد" وكيف هي نشأتهم وما هي الظروف التي أدت إلى وصولهم للسطلة يا ترى؟
ضمن هذه الدراسة سنتناول الجذور الواقعية لعشيرة "بنو الأسد" والظروف الموضوعية التي هيأت لها الوصول إلى السلطة في سورية ضمن إطار حكم الأب "حافظ الأسد" وتوريث الحكم لابنه "بشار الأسد" .
روايات باترك سيل: ماض بلا تـاريخ!
في أواخر القرن التاسع عشر "نزل مصارع تركي مجهول الهوية قرية (القرداحة) وراح يصدح صوته متحدياً الناس فيها فتجمهر القرويون للمشاهدة والتمتع ولكنهم مالبثوا أن أخذوا يتأوهون لمشاهدة أقرانهم يتساقطون واحداً تلو الآخر بين يدي هذا المصارع، وفجأة برز إليه رجل قوي البنية في الأربعينيات من عمره، وأمسك به من وسطه ورفعه في الهواء ثم طرحه أرضا،ً فصاح القرويون: يا له من وحش! إنه وحش!! وكان اسم هذا البطل سليمان ولكنه منذ ذلك الحين أصبح يعرف بـ سليمان الوحش".
هكذا اختصر لنا باتريك سيل نسب عائلة "الأسد" التي ظهرت بعد هذه القصة وكان بطلها سليمان الوحش جدّ حافظ علي الأسد حاكم سورية السابق والد ولي العهد بشار الأسد. كان هذا في كتاب "الصراع على الشرق الأوسط" للكاتب البريطاني المقرب من عائلة الأسد. ولكن ماذا قبل سليمان الوحش يا ترى؟ أين كان يقطن وما هو موطنه؟ وبماذا كان يكنّى قبل ذلك ومن هو والده؟ أهكذا العرب تعدد أنسابها!! ولمن... لعشيرة حاكمة!!
لقد تعددت المعلومات حول حقيقة أصول عائلة الأسد فكان منها أن أصل هذه العائلة من أصفهان ثم انحدرت إلى كيليكية وانتهت بمجيئ سليمان إلى القرداحة واستقراره بها، ومنها ما تشير إلى أن سليمان يدعى بسليمان البهرزي نسبة لمدينته "بهرز" وهي منطقة عراقية تتبع إدارياً لمحافظة ديالي شرق العراق وأنه من أصل يهودي وتم زرعه بين الطائفة العلوية لتهيئة عائلته للحكم والسيطرة على سورية.. وغيرها الكثير من المعلومات المتضاربة والتي لا تسند إلى دعائم وركائز موضوعية حول هذا الأمر ولكن تضارب المعلومات يؤكد على الشكوك الكثيرة فيما يخص أصول هذه العائلة.
يزعم باترك سيل أن عائلة علي سليمان تترأس عشيرة (العيلة) الفرعية من قبيلة (الكلبية )، بينما يقول (فان دام) أنهم فرع من عشيرة المتاورة.. وهو مركز متواضع ولكنه حقيقي، كما يرى باحثين آخرين... بينما يقول دانيال لوغاك في كتابه (سورية الجنرال الأسد) عن انتماءات حافظ العائلية:
"كان حافظ الأسد ابناً لأحد صغار الأعيان في القرداحة، وكان ينتمي إلى عائلة ذات نفوذ كبير، من قبيلة (الكلبية) التي كانت تسكن منطقة الجبال الساحلية. وكان جده سليمان علي قد عمل في خدمة عائلات ثرية من السنة والمسيحيين الذين كانوا يريدون السيطرة على المزارعين العلويين، بينما كان والده (علي الأسد) مزاراعاً يحظى بالاحترام في قريته، ومعروفاً بشجاعته وقوة شخصيته".
نظرة على تحقيق الأنساب!
ولكي نصل لنتيجة منطقية حول هذا الموضوع فلابد أن نعرف في بادئ الأمر أن النسابين العرب يعتمدون على عدة طرق في تحصيل نسب القبائل والعشائر والعائلات، أولها هي:
1- وجود اسم العشيرة أوالعائلة المراد تفنيد أنسابها للتمكن من البحث عنها في شروحات العرب القديمة وأمهاتها وباسقاط ذلك على "بنو الأسد" نجد أنه بالأساس لم يُعرف أي اسم عائلة للجد سليمان قبل وقوع قصة "المصارع" وعلى الرغم من أن باترك سيل نسبه للقبيلة "الكلبية" إلا أنه لم يجروء على ذكر اسم عائلته التي تتبع لهذه القبيلة في أي موضع من مواضع كتابه خوفاً من تبعات انكشاف هذه الكذبة في حال وقوع هذا الأمر إضافة لذلك فإن ما يؤكد تضارب المعلومات في هذا المضمار هي رسالة الدكتورا لـ "نيقولاوس فان دام" بعنوان "الصراع على السلطة في سورية" فقد نسب فيها "بنو الأسد" إلى قبيلة المتاورة ولكنه أيضاً لم يذكر أسم العائلة التي ينتمي إليها سليمان الوحش فهذا التضارب في المعلومات كفيل باسقإط كلتا النظريتان .
2- تدوين المعلومات المتواترة عن كبار السن التابعين للعشيرة والعائلة المراد تحصيل أنسابها أومن قبل كبار يتبعون لعشائر أخرى محيطين بها جغرافياً وفي هذا السياق أظن أنه لو كان هناك أي ثغرة تمكن "بنو الأسد" من إثبات نسب لهم من إحدى القبائل المكونة للطائفة النصيرية (العلوية) لما توانت عن فعل ذلك قيد انملة لما في ذلك من تعزيز الولاءات الطائفة للعشيرتها وتوطيد حكمها أكثر فأكثر وعلى الجانب الآخر وفق هذا المضمار فلابد من الاستشهاد بما قالته الأستاذة سلمى الخير ابنت الشيخ عبد الرحمن الخير- كبير مشايخ الطائفة النصيرية (العلوية)- للدكتور محمود الدغيم عندما كانت مدرّسة (فلسفة) في دار المعلمين بالجزائر أن "حافظ علي الأسد ليس من أهل القرداحة، وإنما جاء جده إليها وقد سكن في البداية عند مدخلها اي خارج القرية، وقد أطلق عليهم لقب بيت (الحسنة) أي الصدقة، لأن أهل القرية كانوا يتصدقون عليهم بسبب تدني ظروفهم المعيشية... فقد كانوا فقراء ولم تكن لديهم أية أملاك في القرية، إلا أنه وأولاده كانوا أشداء في أجسامهم فأطلق عليهم أيضاً لقب (الوحش) ومع وجود الانتداب الفرنسي في سورية قد تم تسميتهم من قبلهم بعائلة (الأسد) وقام مجلس الطائفة بتعميم لقبهم هذا في القرية وباتوا يعرفون بعائلة الأسد".
تمثل هذه الشهادة إحدى شروط الطرق الرئيسية في تأصيل الأنساب فآل الخيّر هم من كبار عائلات الطائفة النصيرية (العلوية) الدينية وأحد أهم أعضاء مجلس الطائفة وبالتالي هم من الوجهاء المعروفين والمحيطين بالظروف المادية والموضوعية لـ "بنو الأسد" وهذه المعلومات التي قدمتها الأستاذة سلمى تتقاطع في العديد من الظروف التي بيّنها (باتريك سيل) فيما يخص اللقب بغض النظر عما إذا كان سببه قصة المصارع التركي، أم القوة البدنية، فكلاهما يعبران عن نتيجة واحدة... إلا أن الأهم في كلام الخيّر أنه لم يكن لـ "بنو الأسد" أية أملاك في القرية، وهذا الأمر يشكل نتيجة منطقية، لمسألة قدوم (سليمان الوحش) للقرية، وأنه ليس من أبنائها.. فحتى الفقراء نجد لديهم أملاكاً، تعود لآبائهم وأجدادهم في مناطق النشأة الأولى.
تجنب الحديث عن الأصل العائلي!
ومما سبق يتبين لنا بأن عشيرة "بنو الأسد" لا تعود أصولها لمناطق الطائفة النصيرية (العلوية) وربما لا تنتمي لأي منطقة سورية، والذي يؤكد هذه الشكوك هو التجنب الدائم في الحديث عن أصول عائلة الأسد من قبل أطراف النظام السوري مجتمعة حتى يومنا هذا، فضلا عن أن هذه المهمة تركت لباحثين أجانب كباترك سيل وفان دام ودانيال لوغاك، وسواهم ممن كتبوا عن صعود الأسد لحكم سورية، في لعبة الصراع السياسي والعسكري والطائفي.
والحقيقة إن ما يهمنا كشعب سوري، ليس معرفة الموطن الأصلي لعائلة الأسد من أجل التغني به أو لعنه، بقدر ما يهمنا معرفة حقيقة مفادها: أن هذه العشيرة التي حكمت سورية باسم الطائفة النصيرية (العلوية) هي في حقيقة الأمر لا تمت لها بصلة، ولا حتى للشعب السوري بأسره؛ إلا أنه وللأسف الشديد فإن جزءاً كبيراً من الطائفة النصيرية لم تعِ هذا الأمر، وعلى الرغم من انكشافه بشكل جلي منذ قيام الثورة السورية عام 2011م، حيث أدى اصطفاف قسم كبير من الطائفة وراء هذه العائلة المجهولة الأصول والنسب، إلى التصاق سمة القتل والتدمير باسم هذه الطائفة، وهذا ما سعى له (بنو الأسد) ومن كان من خلفهم دعماً وتأصيلاً.
ظروف تكوين المملكة...
مما لا شك فيه أن لمملكة (بنو الأسد) كما لكل الممالك وأنظمة الحكم الشمولية، ظروف وأسباب شكلت الركائز الأساسية لقيامها واستمراريتها كلاعب فاعل ضمن "لعبة الأمم"، وقد تناولت معظم أدبيات العلاقات الدولية في هذا المضمار عدة مستويات لتحليل الظاهرة السياسية تحليلاً منطقياً، بهدف الوصول لتفسيرات واقعية وموضوعية تجاه الظاهرة.. وعليه يمكن القول بأنه كان لمملكة "بنوالأسد" عدة أبعاد ومستويات... فكان منها المستوى الدولي، والمستوى المجتمعي، ومن ثم المستوى الفردي... وكل منها شكل إطاراً ولبنة جسدت قيام هذه المملكة القهرية، التي حكمت سورية لعقود مأساوية طويلة.
لقد مارس "سليمان الوحش" السلطة بطرق سلمية من خلال قوته الجسدية حيث عمل كقاض يحل النزاعات التي تقوم بين العائلات في القرية وهذا ما أكسبه مكانة خاصة قربته من مجلس وجهاء الطائفة النصيرية (العلوية) وهذا ما أخذه عنه ابنه (علي)، والد حافظ الأسد الذي لم يكن يتصور ربما أن هناك ما سيمهد الطريق لابنه في الوصول إلى رأس هرم السلطة في سورية عام 1970م.
أوصياء الماضي وأصدقاء الحاضر!
لقد تمكنت فرنسا أثناء الانتداب على سورية 1920م من تقطيع أوصالها، فكان من نتاج ذلك إعلان حلب ودمشق عاصمتين لدولتين منفصلتين إضافة إلى فصل جبل العلويين والدروز عن دمشق وإعلانهما دولتين منفصلتين عام 1922م، وهذا ليس بغريب عن سياستها المعتمدة آنذاك "فرّق تسد" وبحجة أنها نصبت نفسها حامية الأقليات في سورية فقد تمكنت من الدخول فيهم واستخدامهم كأداة للسيطرة على الحكم وقمع الاحتجاجات والاضطرابات القائمة من قبل السوريين في تلك الفترة وذلك من خلال انشاء "قوات المشرق الخاصة" عام 1921م تحت إمرة ضباط فرنسيين ليخدم فيها أهل الطائفة النصيرية (العلوية) والأرمنية والشراكس وغيرهم مستغلين بذلك عدم توافر فرص العمل لأفراد هذه الطوائف أثناء تلك المرحلة العصيبة
ويمكن القول أن هذه القوات كانت بمثابة جسر عبور لفكرة تكتلات عسكرية ذات بعد طائفي (نصيري) كان بطلها الموعود للفترة اللاحقة حافظ علي الأسد خُدعت بها الطائفة النصيرية (العلوية) كما هو حال حكومات ما قبلها بعدم وعيها تبعات ذلك وعلى مايبدو أن طور التأسيس قد بدأ عندما شب علي الأسد وأصبح برفقة أبيه في كل أمر وهذا ما بدا جلياً في علاقاتهم الجيدة مع الفرنسيين التي تجلت من خلال الوثيقة المعروفة التي خطها الممثلون النصيريون وكان من ضمنهم سليمان الأسد برفقة ابنه علي الأسد المطالبة بعدم رحيل الانتداب عن سورية أو إقامة حكم ذاتي للمناطق النصيرية (العلوية) والتي تعتبر نقطة تحول هامة في كشف النوايا الحقيقية في نفوس الموقعين وعلى رأسهم سليمان الأسد وفي هذا السياق فقد قال باتريك سيل: " في العام 1936م أرسلت دمشق وفداً إلى باريس يحاول التفاوض معها على معاهدة فرنسا لتكون خطوة على طريق الاستقلال وكان من بين المواضيع الهامة بين فرنسا والوطنيين مصير الدولتين العلوية والدرزية، وكان الوطنيون يريدون توحيدهما مع سورية عكس النوايا الفرنسية وعندما شكلت الكتلة الوطنية السورية في دمشق عقب اتفاقية تأخرت طويلاً مع حكومة الجبهة الشعبية التي كان يترأسها ليون بلوم فقد حاولت تلك الكتلة أن تكبح مد النزعة الانفصالية فكوفئ عزيز الهواش (الذي كان أبرز علوي وقف في صف الوطنيين السوريين) بتعينه محافظاً لدمشق ولكن المندوب السامي الفرنسي لم يصادق عليها وفي سنة 1939م عين شوكت عباس حاكماً للدويلة العلوية، وكما أن جدّ الأسد سليمان لم يتفق مع الانتداب قط ولم يذعن للمتعاونيين الذين كانوا مدنيين ببروزهم للفرنسيين" !! إلّا أن الوثيقة التي وقعها النصيريون (العلويون) المطالبة بعدم رحيل الانتداب الفرنسي عن سورية الآنفة الذكر تقول عكس ذلك فقد كان من ضمن الأسماء الخمسة الموقعة عليها هم عزيز آغا الهواش وسليمان الأسد وهذا يؤكد نفي المعلومات التي أوردها باترك سيل عن عدم تورط سليمان الأسد مع الفرنسيين في خيانة الوطنيين السوريين.
ويؤكد بعض الباحثين في هذا المجال بأن هذه الوثيقة الموجودة حالياً في أرشيف الخارجية الفرنسية والمحفوظة تحت رقم 3547 بتاريخ 1936/6/15 -والتي أصبحت متاحة على الصفحات الالكترونية الآن- بأن النص الجوابي على هذه الوثيقة من قبل الحكومة الفرنسية، قد أثنى على التعاون النصيري (العلوي) طوال فترة الانتداب مع الفرنسيين، وتمت طمأنتهم بأنهم لن يتخلوا عن مستقبل الطائفة. فحتى لو تم إنهاء الانتداب الفرنسي ستبقى فرنسا حامية للأقليات، وأنه سوف يأتي يوم لن يحكموا فيه الجبل فقط وإنما سورية بأسرها!
يعتبر ذلك بمثابة تأكيد على نوايا لاحقة قد تجسدت فعلياً في وصول حافظ الأسد لسدة الحكم وليس المقصود هنا الطائفة النصيرية (العلوية) وإنما من نصبوا أنفسهم ممثلين عنها... فلا يمكن – بالضرورة- إهمال المذكرات العديدة التي أصدرتها رجالات الدين النصيرية المؤيدة للوحدة السورية في ذلك الحين إلا أن الإرادة الخارجية قد هيمنت على الموقف في الفترات اللاحقة بنجاح عائلة الأسد بالسيطرة على مصير الطائفة النصيرية ومن ثم مصير سورية بأسرها وقد نجح في ذلك.
مما سبق يمكن تفهم الوضع الجيد والاستثنائي لعلي سليمان الأسد سواء فيما يتعلق بتقديم التعليم الجيد لابنه حافظ الأسد في وقت لم يكن لأحد فيه من أبناء القرية يستطيع أن يحظى بتعلم فك الحروف، إضافة إلى تحليل الظروف التي سمحت لعلي الأسد من وصول الجرائد الرسمية له لمتابعة مجريات الحرب العالمية في وقت لم تكن فيه هناك أي وسيلة إعلامية تذكر في المنطقة فكيف تمكنت من كل ذلك عائلة شديدة الفقر كما عرف عنها يا ترى؟!!
ويقال أن علي سليمان استطاع أن يتحول من فلاح بسيط إلى أحد الوجهاء، وقد كافأه أهل القرداحة بأن طلبوا منه تغيير اللقب من الوحش إلى الأسـد في عام (1927).. وإذا صح هذا الكلام فربما يفسر شيئاً من التحول في أوضاع العائلة...
إلّا أن ما يثير السخرية في نفوس الكثيرين من الشعب السوري الآن هو أن الراعي الأول و واضع الحجر الأساس لحكم (بنو الأسد) وهي فرنسا، قد أصبحت اليوم صديقة للشعب السوري... وعلى ضوء ما يجري من أحداث منذ قيام الثورة السورية عام 2011م باتت تدين نظام بشار الأسد على الانتهاكات التي مارسها ضد حقوق الإنسان في سورية... والأكثر مدعاة للسخرية، عندما واجه مندوب فرنسا الدائم في الأمم المتحدة (فابيوس) مندوب النظام (بشار الجعفري) بخيانة سليمان الأسد لوحدة سورية من خلال عرضه الوثيقة المعروفة!!
كابوس سوري يعلن حكماً أسدياً..
في السادس من تشرين من العام 1930م ولد من كان مقدراً له، أن يُدخل ذكر (عائلة الأسد) المجهولة إلى هوامش التاريخ، فيكون بهذا المعنى: أمير (بنو الأسد) ولو بأثر رجعي... حين انتشل عائلته من غياهب المبني للمجهول... وقلد العديد من أفرادها مناصباً، من دون أن يورثها مجداً، او احتراماً حقيقياً في نفوس السوريين، الذين لا ينسون تشبيح، وسوء أخلاق معظم أفرادها معهم...
ولد حافظ الأسد في أول شتاء عرفته ثلاثينيات القرن العشرين... ليغدو في مسيرته العسكرية المغامرة والغامضة والمليئة بالتقلبات والغدر بأصحاب الفضل (الطائفي) عليه، حاكماً مطلقاً على سورية بأسرها كما وعد الفرنسيون في ردهم التطميني على رسالة أعيان الطائفة العلوية المطالبة بدويلة علوية.
درس حافظ علي الأسد، الابتدائية في القرية، ومن ثم استكمل الثانوية في مدرسة (جول جمال) بمحافظة اللاذقية عام 1944م وسط أجواء سياسية محتدمة في نقاشاتها ما بين التيارات القومية والشيوعية والإسلامية، لينتهي به الأمر إلى انضمامه لحزب البعث العربي.
عند انتهاءه من الدراسة الثانوية دخل الأسد الكلية الجوية في حمص عام 1951م فكان ذلك بداية الطريق نحو تحقيق أحلام السلطة، إذ تخرج من الكلية الجوية برتبة ملازم طيار عام 1955م وهذه كانت مرحلة التهيئة لقيام الجمهورية العربية المتحدة فغدت فترة كفيلة لتفكير استراتيجي يرسم طريق الأسد المستقبلي .
لا أحد يستطيع أن ينكر دهاء ومكر هذا الرجل وخاصة أمام نظرائه في المنطقة لتلك الفترة الذي نجح بتحقيق طموحاته الديكتاتورية وبصورة شرعية وقومية ثورية، لقد أدرك الأسد منذ دخوله الجناح العسكري الأهمية الاستراتيجية للمنظور الواقعي داخل الحلبة السياسية أي أهمية القوة العسكرية التي من خلالها يمكن تحقيق النصر والاستقرار السياسي الداخلي للحاكم - وهذا ما عمل عليه حافظ الأسد طيلة فترات حكمه التي مكنته من توطيد الحكم وتوريثه لابنه بشار الأسد- ويمكن القول أن استراتيجيته هذه بدأت برسم خطواتها الأولى منذ إعادة تشكل اللجنة العسكرية لحزب البعث عام 1957م بسيطرة من قبل ما عرف بالمثلث (العلوي) محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد ولعب الدور الأبرز في الانفصال عن مصر عام 1961م ومن ثم حركة 23 شباط 1963م التي مثلت جسر العبور نحو سدة الحكم إذ شكل هذا الإنقلاب الإطار العام لاستراتيجية الأسد الساعية لاحتكام السلطة، واضعاً نصب عينيه التجارب الانقلابية السابقة في الداخل السوري والإقليمي فبدأ يعمل على جانبين اثنين الأول العسكري وذلك بإعادة ترتيب العلاقات وتبدلها مع حلفاء عسكريين بما يتناسب مع الانقلاب اللاحق أما الثاني فهو الجانب الحزبي (البعثي) لضمان عدم انتصار منافسيين داخليين على مستوى القيادات المدنية من جهة وتوفير الغطاء السياسي اللازم لشرعنة الانقلاب العسكري وتوطيده من جهة أخرى وهذا ما حصل عام 1970م.
المصدر اوينت نت
إرسال تعليق