0
غزوة بني قريظة
قامت هذه الغزوة في العام الخامس الهجري فبعد أن همّ بنو قريظة بغدر معاهدة الصلح بينهم وبين المسلمين، فكلف الرسول عليه الصلاة والسلام رجلاً منهم ليحكم حسب التوراة التي يؤمنون بها، وكان حكمه قتل أربعمئة رجل.

غزوة بني قريظة
بنو قريظة هي إحدى القبائل اليهودية التي كانت تسكنُ في شبه الجزيرة العربية وتحديدًا في المدينة المنورة، وبقيت تلك القبيلة في المدينة حتى وقعَ الحصار على حصن بني قريظة وحدثَ لهم ما حدث، فغزوة بني قريظة هي إحدى الغزوات التي قام بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضدّ اليهود، وقعت في السنة الخامسة من الهجرة بعد غزوة الأحزاب مباشرةً بأمر من الله تعالى، وفي هذا المقال سيدور الحديث عن غزوة بني قريظة وعن أسباب وأهداف وأحداث ونتائج غزوة بني قريظة بالتفصيل.

أسباب غزوة بني قريظة

تعدُّ غزوة بني قريظة من الغزوات الشهيرة في تاريخ المسلمين، فقد وقعتْ بعد غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق، وفي ذلك الوقت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عهدٍ مع اليهود، فقد عاهدهم منذُ أن وصل إلى المدينة المنورة ولكنَّهم كعادتهم دائمًا كانوا كلما سنحت لهم فرصةٌ يغدرون بالمسلمين، وفي غزوة الأحزاب كانت قريش وحلفاؤها يحاصرون المسلمين في المدينة وأثناء اشتداد المعركة غدر بنو قريظة بالعهود والمواثيق التي عاهدوا عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان هذا السبب الرئيسي وراء غزوة بني قريظة، فبعدَ أن طالت فترة حصار المسلمين من قبل الأحزاب، فقَدَ المشركون الأمل في اقتحام المدينة من جهة الخندق الذي حفره المسلمون أمام المدينة، فقرَّرَ قادة الأحزاب أن يدخلوا على المسلمين من المكان الذين يعتبرونَه آمنًا أي من جهةِ حصن بني قريظة، فذهب حَيي بن أخطب ومعه بعض قادة اليهود إلى بني قريظة وطلبوا منهم أن ينضموا إلى الأحزاب وكان قد استقبلهم سيّدُ بني قريظة كعب بن أسد، وبعد حديثٍ طويلٍ انضمَّ بنو قريظة إلى الأحزاب وغدروا بالمسلمين.


فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة ليتحققوا من صحة الخبر، فلما ذهب الثلاثة وجدوا أنَّ الخبر صحيح وتيقَّنوا من ذلك النبأ، لكنَّ الله تعالى هزمَ الأحزاب ومزَّقهم شرَّ ممزَّق عندما هبَّت عليهم ريحٌ عاتيةٌ اقتلعت خيامهم وشتَّتهم فانقلبوا خاسرين، وكما روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّه لما رَجَعَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن الخَنْدَقِ، ووضعَ السلاحَ واغتَسَلَ، أتاه جبريلُ -عليه السلام-، فقال: قد وضعْتَ السلاح! والله ما وضعناه، فاخرُجْ إليهم. قال: فإلى أين؟، قال: ها هنا، وأشارَ إلى بني قُرَيْظَةَ، فخرَجَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إليهم غازيًا 1). 2)


أهداف غزوة بني قريظة

عندما اشتدَّ حصار قبائل قريش وحلفاؤها على المسلمين في المدينة المنورة في غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب غدر يهودُ بنو قريظة بالمسلمين وتحالفوا مع الأحزاب ظنًّا منهم أنَّ نهاية المسلمين قد حانت، لكنَّ الله تعالى أرسل ريحًا شديدةً عاصفةً زلزلت الأرض من تحت أقدام الأحزاب المشركين وشتَّت شملهم ومزَّقت جمعهم فانقلبوا إلى ديارهم مهزومين، فكانت غزوة بني قريظة ردَّ فعل طبيعيٍّ قام به المسلمون تجاه قبيلة بني قريظة اليهودية، وفيما يأتي أهمِّ أهداف غزوة بني قريظة: 3)


  • طاعة الله تعالى والتزام أوامره، فقد أتى أمر الله تعالى بغزو بني قريظة، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّه لما رَجَعَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن الخَنْدَقِ، ووضعَ السلاحَ واغتَسَلَ، أتاه جبريلُ -عليه السلام-، فقال: قد وضعْتَ السلاح! والله ما وضعناه، فاخرُجْ إليهم. قال: فإلى أين؟، قال: ها هنا، وأشارَ إلى بني قُرَيْظَةَ، فخرَجَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إليهم غازيًا 4)
  • معاقبة يهود بني قريظة على غدرهم بالمسلمين.
  • الردّ على اعتداءات اليهود المتكررة، خاصّةً عندما ترك المسلمون ديارهم وانشغلوا بالدفاع عن المدينة وحاول بعض اليهود اقتحام حصن المدينة، قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 5).
  • تطهير المدينة المنورة من شرِّ ورجس اليهود وطردهم منها.
  • إظهار قوَّة وشوكة المسلمين بأنَّهم قادرون على قلب الحصار إلى نصر عظيم منَّ الله تعالى به على المسلمين.

متى كانت غزوة بني قريظة

وقعت غزوةُ بني قريظة بعد غزوة الأحزاب والتي تُسمَّى أيضًا غزوة الخندق نسبةً إلى الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لمنع دخول المشركين إلى المدينة 6)، فبعد غزوة الأحزاب مباشرة حاصر المسلمون حصن بني قريظة واستمرَّ حصارهم قرابة 25 يوم حتى استسلموا، وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة الموافق للعام 627م. 7)


أحداث غزوة بني قريظة

بعد أن انسحبَ الأحزاب الذين كانوا يحاصرون المدينة، ورجعوا مهزومين إلى مكة المكرمة، دخل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- إلى بيته فجاءه أمر الله تعالى بقتال بني قريظة على لسان جبريل -عليه السلام- وأمره أن يُسرع في الخروج إليهم، عند ذلك وكما ورد في الحديث خرجَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك اليوم إلى أصحابه ونادى فيهم قائلًا: “لا يُصلِّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلا في بَني قُرَيظَةَ”. فأدركَ بعضَهُم العصرُ في الطريقِ، فقال بعضُهُم: لا نُصلي حتى نَأتيَها، وقال بعضُهُم: بل نُصلي، لم يُرَدْ مِنَّا ذلك. فذُكرَ ذلك للنبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فلم يُعَنِّفْ واحدًا مِنهم 8)


فانطلق المسلمون في ثلاثةِ آلاف مقاتل إلى حصن يهود بني قريظة، وحاصروا الحصن كما أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستمرَّ حصار بني قريظة خمسًا وعشرين ليلةً تقريبًا، وكان يهود بني قريظة قد أنهكهم الحصار وفقدوا الأمل بالنجاة من المسلمين وقذف الله الرعب والخوف في قلوبهم، فلم يجدوا بدًّا من الاستسلام لأنَّهم عاجزون عن تقديم الأعذار عن خيانتهم للمسلمين، فآثروا الاستسلام بعد خمسٍ وعشرين ليلةً من الحصار وقالوا: نقبلُ بحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنَّهم استشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر في ذلك فأشار إليهم أنَّه سيذبحهم، فغيروا رأيهم وقالوا: نرضى بحكم سعد بن معاذ، فبعثَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وراء سعد بن معاذ فأتى وحكم فيهم حكمه الذي ما زال عبرةً لكلِّ من يغدر ويخون المسلمين، فحكمَ فيهم سعد بن معاذ أن يُقتلَ رجالهم وتسبى نساؤهم وأطفالهم وتؤخذ أموالهم، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: حكمت فيهم بحكم الله عز وجل من فوق سبع سماوات.


ونفَّذ المسلمون حكمَ سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، فقتل جميعُ رجالهم وكان يبلغُ عددهم 400 مقاتل ويقال أنهم 700 مقاتل وبعضهم أوصل العدد إلى 900 مقاتل 9)، ولم تقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة كانت قد قتلت أحد الصحابة، ولم يقتل الذين لم يبلغوا الحلم من الذكور بل تمَّ أسرهم مع النساء السبايا لأن رسُول اللَّه -صلَّى اللَّه عليهِ وسلم- كان قد أمرَ بقَتلِ كلِّ منْ أَنبتَ من الذكور، ومن لم ينبتْ تركَ مع الأسرى، فعن عطية القرظي -رضي الله عنه- قال: “كنتُ من سبيِ بني قُرَيْظةَ، فَكانوا ينظرونَ فمن أنبتَ الشَّعرَ قتلَ، ومن لم ينبت لم يقتل، فَكنتُ في من لم ينبت، وفي رواية فكَشفوا عانتي فوجدوها لم تنبُتْ فجعلوني منَ السَّبيِ” 10) 11)، وتمَّ تقسيم أموال بني قريظة على المسلمين، ونزل قوله تعالى في بني قريظة: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} 12)، وروت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن ذلك اليوم: “فأتاهُمْ رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم- فحاصرَهُم خمسًا وعشرينَ لَيْلة.


فلمَّا اشتدَّ حصْرُهُمْ واشتدَّ البلاءُ قيلَ لهمُ: انزِلوا على حُكْمِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، فاستشاروا أبا لُبابَةَ بنَ عبدِ المنذِرِ فأشارَ إليهِمْ أنَّهُ الذَّبحُ، قالوا: ننزِلُ على حُكْمِ سعدِ بنِ معاذ، فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: انزِلوا على حُكْمِ سعدِ بنِ معاذ، فأُتِي بهِ على حمارٍ عليه إكافٌ من ليفٍ قد حُملَ عليهِ وحفَّ به قومُه، فقالوا: يا أبا عمرٍو حلفاؤُكَ ومَواليكَ وأهلُ النِّكاية ومن قدْ عَلِمتَ، قالتْ: ولا يرجعُ إليهم شيئًا ولا يلتفتُ إليهِم، حتَّى إذا دنا من دُورهمُ التفت إلى قومهِ فقال: قد آنَ لي ألّا أُباليَ في اللَّهِ لوْمَةَ لائِم، قالت: قالَ أبو سعيد: فلمَّا طلعَ، قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم- قوموا إلى سيدِكُمْ فأنزِلوهُ، قالَ عُمَرُ: سيِّدُنا اللَّه، قال: أنزِلوهُ، فأنزَلوه، قالَ رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم- احكُمْ فيهم، فقالَ سعد: فإنِّي أحكمُ فيهم أن تُقتَلَ مقاتِلَتهُمْ وتُسبى ذَرارِيُّهمْ وتُقسَّمَ أموالُهُمْ، فقال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم- لقد حَكمْتَ فيهم بِحُكمِ اللَّهِ وحُكمِ رسولهِ” 13)، والله تعالى أعلم. 14)


نتائج غزوة بني قريظة

حملت غزوة بني قريظة التي قام بها المسلمون ضدَّ يهود بني قريظة في المدينة الكثيرَ من النتائج المهمة للمسلمين، وفيما يأتي سيتمُّ إيراد بعض أهمِّ نتائج غزوة بني قريظة:

  • إظهار قوة المسلمين وتثبيتُ هيبتهم وشوكتهم في أنظار المشركين والمنافقين.
  • الحصول على كثير من الغنائم من أموال وممتلكات بني قريظة مما ساهمَ في تقوية المسلمين اقتصاديًا.
  • إخراج آخر شريك للمشركين من المدينة وإنهاء الفتن والمخاوف من داخل المدينة وقطع الأمل على المشركين خارجها.
  • تطهير المدينة المنورة من الخونة والمتآمرين والجواسيس من اليهود، وإنهاء وجود اليهود في المدينة إلى الأبد.
  • حماية الجبهات الداخلية للدولة الإسلامية.
  • تهيئةُ المسلمين لتحقيق انتصارات جديدة ورفع معنوياتهم بعد حصار جيوش الأحزاب لهم في غزوة الخندق، فكانت غزوة بني قريظة دفعة قوية لرفع المعنويات وتحقيق الانتصارات المتلاحقة.

دروس وعبر من غزوة بني قريظة

استطاع المسلمون أن يستنبطوا  من خلال غزوة بني قريظة الكثير من الدروس والعبر والعظات التي حملتها في طياتها، ولم تتوقف الدروس على مواضيع الحروب والغزو، بل تجاوزتها إلى أحكام فقهية، وفيما يأتي أهم الدروس المستفادة من غزوة بني قريظة: 15)


  • من أهم الدروس والأحكام المستفادة أنَّ المسلمين استدلوا على جواز قتال من نقض العهد وغدر بالمسلمين.
  • تببين غزوة بني قريظة تأكُّد اليهود من نبوَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قد فقد روى ابن هشام أنَّ كعبَ بن أسعد –سيد بني قريظة- قال لليهود: “يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإنِّي عارض عليكم خلالًا ثلاثًا، فخذوا أيُّها شئتم، قالوا: ما هي؟، قال: نتابع هذا الرجل ونصدِّقه، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل”.
  • ظهور أدب الخلاف بين صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخاصة في موضوع الصلاة، فكما ورد في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يُصلِّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلا في بَني قُرَيظَةَ”. فأدركَ بعضَهُم العصرُ في الطريقِ، فقال بعضُهُم: لا نُصلي حتى نَأتيَها، وقال بعضُهُم: بل نُصلي، لم يُرَدْ مِنَّا ذلك. فذُكرَ ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلم يُعَنِّفْ واحدًا مِنهم 16)
  • بيان فضل الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه-.
الفديو من قناة اليوتيوب

إرسال تعليق

 
Top