0
تعريف محظورات الإحرام
المحظور لغة هو اسم مفعول من حَظَرَ، وجمعه محظورات؛ وهو المُحرَّم، أو الممنوع، أمّا الإحرام، فقد عرّفه الفقهاء كالآتي:
  • الشافعية والحنابلة: الإحرام هو نيّة الدخول في الحجّ والعمرة، ويُسَنّ اقتران النيّة بالتلبية، فمن نوى دون تلبية، فإنّه يُعَدّ مُحرِماً.
  • المالكية: الإحرام هو نيّة الدخول في حُرمات الحجّ، ويُسَنّ اقتران النيّة بالتلبية، أو أداء عمل مُتعلِّق بالحجّ، كتقليد البُدنة*، فمن نوى دون تلبية، أو تقليد البُدنة، أو نحو ذلك، فإنّه يُعَدّ مُحرِماً.
  • الحنفية: الإحرام هو نيّة الالتزام بحُرمات مخصوصة مع اقتران النيّة بالتلبية أو تقليد البُدنة، فمن نوى دون تلبية، أو تقليد البدنة، فإنّه لا يُعَدّ مُحرِماً.


أمّا محظورات الإحرام فتُعرَّف بأنّها: الممنوعات التي يُمنَع منها كلا الجنسيَن، أو أحدهما؛ بسبب الإحرام، وقد حظر الشرع بعض المُباحات حال الإحرام؛ لحِكمَ عديدة، منها: تذكير المُحرِم بالعبادة التي أَقدم عليها؛ فيتذلّل ويفتقر لله -عزّ وجلّ-، ويُربّي النفس على المُغايرة في حال العيش بين التقشُّف والترف؛ توافُقاً مع نَهج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وتعزيز مبدأ المساواة بين الناس؛ فلا فرق بين غنيّ وفقير في الحجّ، وإظهار استعداد المسلم لإكمال العبادات البدنيّة.

ما هي محظورات الإحرام
المحظورات المُشتركة بين الرجال والنساء
الفِسق والجدال
الفِسق هو: الخروج عن طاعة الله -تعالى-، وإتيان المعاصي، وأشدّ ما يكون حُرمة في حال الإحرام، أمّا الجدال فهو: المُخاصمة؛ بأن يجادل المسلم صاحبه حتى يُغضبه، قال -تعالى-: (وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)،[٥] والنَّهي عن الجِدال؛ أي النهي عن كلّ ما يُعين عليه من الإساءة في الأخلاق، أو المعاملات، ولا يُعَدّ ما يُحتاج إليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر من الجِدال المحظور

الطِّيب
يحرُم استعمال الطِّيب، كالمسك، والعود، والكافور، والورس*، والزعفران لكلا الجنسَين حال الإحرام؛ سواء استعمله المُحرِم في تطييب ملبوسه من ثوب أو خفّ أو نَعل، أو في تطييب بدنه كلّه أو بعضه؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أوْ ورْسٌ)، ومن المسائل المتعلقة بالطّيب ما يأتي:
  • لبس الثوب المصبوغ وله رائحة طيبة: يحرم لبس الثوب المصبوغ ذي الرائحة الطيّبة باتّفاق الفقهاء، إلّا أن يُغسَل وتزول رائحة الطِّيب منه؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تلبِسوا ثوبًا مسَّهُ وَرسٌ أو زَعفرانُ إلَّا أن يَكونَ غَسيلًا).
  • الاكتحال بما فيه الطِّيب: يَحرُم الاكتحال بما فيه طِيب للمُحرِم لغير ضرورة، وعليه الفِدية عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة، أمّا الحنفية فيَرون ألّا فدية على المُكتحل إلّا إذا زاد الطِّيب في الكحل عن مرَّتَين، وإلّا ففيه صدقة، أمّا الاكتحال بما ليس فيه طِيب فقد ذهب الشافعية والحنابلة والحنفيّة إلى جوازه، وذهب المالكية إلى حرمة ذلك وفيه فدية لغير ضرورة، أمّا إن كان للضرورة فلا فِدية عليه
  • أكل أو شرب ما فيه الطِّيب: يحرم على المُحرِم أكل أو شُرب الطّيب، أو ما خالطه الطِّيب؛ قليلاً كان، أو كثيراً، وقد فرّق الفقهاء بين أكل الطِّيب المُضاف إلى المطبوخ، وغيره،؛ فإن كان الطِّيب مُضافاً إلى المطبوخ وذهبت عَينه فلم يبقَ له طعم أو رائحة، جاز أكله عند الشافعية، والحنابلة، والحنفيّة، أمّا المالكية فقد فصّلوا في ذلك؛ فقالوا بجواز أكله مع بقاء رائحته أو لونه إن ذهبت عَينه، أمّا إن كان الطِّيب مُضافاً إلى غير المطبوخ، فقد ذهب الشافعية، والحنابلة، والمالكية إلى حُرمة أكله، بينما فرّق الحنفية حال كون الطِّيب مُضافاً إلى غير المطبوخ؛ بين المأكول، والمشروب؛ فإن كان الطِّيب غالباً في المأكول فإنّه يُحرَّم، وإن كان مغلوباً فلا شيء على المُحرِم إلّا إذا بقيت رائحة الطِّيب فيُكرَه ذلك، أمّا في المشروب فإن كان الطِّيب غالباً ففيه دم، وإن كان مغلوباً ففيه صدقة إلّا أن يُشرَب مراراً؛ ففي ذلك دم.
  • دَهن الشَّعر والبَدَن بالطِّيب: يحرم على المُحرِم دَهن بَدنه، أو شَعر رأسه، أو لحيته بالطِّيب، أو غيره؛ من زيت، أو شمع مُذاب، كثيراً كان، أم قليلاً؛ لأنّ في ذلك مُنافاة لحال المُحرِم التي يجب أن يكون عليها، وقد وصفها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بقوله: (إنَّما المُحرِمُ الأشعَثُ الأغبَرُ الأدْفَرُ)، فلا بأس على الأقرع إن دهن رأسه، أو الأمرد إن دهن ذقنه؛ لانتفاء معنى تزيين الشَّعر وتنميته في حقّهما، على خِلاف من كان شَعر رأسه أو لحيته محلوقاً
  • شَمّ الطِّيب وحمله: يُكرَه شَمّ المُحرِم للطِّيب، أو حَمله باتّفاق الفقهاء جميعهم، وقد كره المالكية والحنفيّة المُكث بمكان فيه روائح عطريّة؛ سواءً قصدَ شَمّه، أم لم يقصد، أمّا الشافعية والحنابلة فقالوا بحُرمة ذلك إن قصدَ شَمّ الطِّيب، كمن يضع وردة على أنفه، أمّا إذا لم يقصد شمّه فلا حُرمة عليه.

قلم الأظافر وإزالة شَعر الرأس
يحرُم تقليم الأظافر للمُحرِم إلّا لعُذرٍ من كَسر، أو نحوه، فتجوز إزالته، ولا فِدية فيه بإجماع العلماء  كما تحرم عليه إزالة شَعر رأسه، أو غيره بالقصّ، أو الحَلق، أو بغيرهما؛ لِما في ذلك من رفاهيّة تتنافى مع مظهر المُحرِم، قال -تعالى-: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أمّا إن تأذّى بشَعره؛ فتجوز له إزالته، وفيه الفِدية بإجماع العلماء؛ لقوله -تعالى-: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)، أمّا إن كان ما تأذّى به هو شَعر العين، جازت إزالته، ولا فِدية فيه عند جمهور الفقهاء من شافعية، وحنفية، وحنابلة، أمّا المالكيّة فقالوا إنّ في ذلك فِدية

الجماع ودواعيه
يَحرُم الجماع في الفرج للمُحرِم بإجماع الفقهاء؛ لقوله -تعالى-: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)؛[٥] والرفث: الجماع، ويكون الجماع مُفسِداً للحجّ والعمرة حسب وقته؛ فإن كان قبل الوقوف بعرفة فعلى المُحرِم بُدنة* مع قضاء الحجّ فوراً حتى ولو كان حجّه تطوُّعاً، وإن كان بعد التحلُّل الأوّل، فإنّ حجّه لا يَفسد باتِّفاق،[٢١] أمّا إن كان بعد عرفة وقبل التحلُّل الأوّل، فقد ذهب الحنفيّة إلى عدم فساد حجّه؛ لأنّه حقّق الرُّكن الأصليّ للحجّ؛ وهو الوقوف بعرفة، وذهب جمهور الفقهاء من مالكيّة، وشافعيّة، وحنابلة إلى فساد حَجّه؛ لأنَّ إحرامه صحيح، ولم يحصل فيه تحلُّل، أمّا العمرة فإنّها لا تَفسد إلّا إذا كان الجماع قبل الطواف وقبل السَّعي، وقد اختلف الفقهاء في حُكم انتهاك حُرمة الإحرام فيما دون الجماع؛ من تقبيل، أو لَمس بشهوة، وذلك على قولَين، هما:
  • القول الأوّل: الجماع فيما دون الفرج؛ من تقبيل، أو لمس بشهوة، أو مباشرة؛ أنزل، أم لم يُنزِل، لا يُفسِد الحجّ، وعلى فاعله دم، وهو مذهب الجمهور من شافعية، وحنابلة، وحنفية.
  • القول الثاني: الإنزال يُفسِد الحجّ والعمرة مُطلقاً إلّا الاحتلام؛ فإن جامع دون الفرج وأنزل فسدَ حجّه، وإن لم يُنزِل لم يَفسد الحجّ وعليه دم، وهو مذهب المالكيّة.

واختلف الفقهاء في حُكم انتهاك حرمة الإحرام باستدامة نظر المُحرِم إلى فرج إمرأته، وكان اختلافهم كالآتي
  • الحنفية والشافعية: ذهبوا إلى أنّ استدامة نظر المُحرِم إلى فرج امرأته بشهوة، أو بغير شهوة، وتفكيره فيها؛ سواء أنزل، أم لم يُنزل، لا يُوجب عليه شيئاً؛ لأنّ النظر بشهوة ليس استمتاعاً بالمرأة، وإنّما هو زرع للشهوة في القلب دون قضائها، خِلافاً للَمس المرأة بشهوة.
  • الحنابلة: ذهبوا إلى أنّ استدامة نظر المُحرِم إلى فرج امرأته بشهوة وإنزاله يُوجِب عليه الدم، أمّا مُجرَّد النظر والتفكير؛ سواء أنزل، أم لم يُنزِل لا يُوجِب الدم.
  • المالكية: ذهبوا إلى أنّ استدامة نظر المُحرم بشهوة إلى فرج امرأته وإنزاله يفسد الحجّ، أمّا مُجرَّد النظر والتفكير؛ سواء أنزل، أم لم يُنزِل، فعليه دم.

الصَّيد
الصَّيد لغة هو مصدر بمعنى: اصطياد المصيد وقَنصه، ويُعرَّف اصطلاحاً بأنّه: كلّ حيوان برّي مُتوحّش في أصل خِلقته عند الحنفية، والمالكية، وزاد الحنفية الذي لا يمكن أخذه بقوائمه، أو جناحَيه، وعرّفه الشافعيّة، والحنابلة بأنّه: كلّ حيوان برّي مُتوحِّش يُؤكَل لحمه، وقد دلّ على حُرمة الصيد في الإحرام قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ)وفيما يأتي توضيح لبعض المسائل المُتعلِّقة بالصيد:
  • حُكم تَملُّك الصيّد أوالانتفاع بشيء منه: يَحرُم تملُّك الصيد لمَن كان مُحرِماً بأيّ طريقة من طرق التملُّك، كالبيع، والشراء، أو قبوله كهِبة، أو صدقة، أو وصيّة، ورد عن الصحابيّ صعب بن جثامة -رضي الله عنه- أنّه أهدى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حمار وحش وهو مُحرِم، فردَّه، وقال: (إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أنَّا حُرُمٌ)،[٢٧] كما يَحرُم الانتفاع بشيء من الصيد، كأكل لحمه، أو بيضه، أو حلبه؛ وذلك لأنّ الانتفاع جزء من التملُّك وقد حُرِّم التملُّك فيَحرُم كلّ ما يلحق به.[٢٨]
  • حُكم مَصيد المُحرِم وما صيدَ لأجله: اتّفق الفقهاء على أنّ ما صاده المُحرِم يُعَدّ ميتةً يَحرُم أكلها على الناس جميعهم؛ سواء كانوا مُحرِمين، أو مُتحلِّلين،[٢٩] أمّا ما صِيد لأجل المُحرِم؛ فقد اختلف الفقهاء في حُكمه كالآتي:[٣٠]
    • القول الأوّل: يحرم على المُحرِم الأكل ممّا صيد لأجله، أو حتى ممّا صاده المُتحلِّل لغيره، وهو قول عليّ، وابن عمر، وابن عبّاس -رضي الله عنهم- وقد استدلّوا بالتحريم المُطلَق لأكل الصَّيد على المُحرِم الوارد، بقوله -تعالى-: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا).[٣١]
    • القول الثاني: يحرم على المُحرِم الأكل ممّا صِيدَ لأجله، أمّا ما صاده الحلّال لنفسه، أو لحلّال آخر، جاز له الأكل منه، وهو قول المالكيّة، والشافعية، والحنابلة، وقد استدلّوا بقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (صيدُ البرِّ لكم حلالٌ ما لم تصيدوه أو يُصَدْ لكم).[٣٢]
    • القول الثالث: يحلّ للمُحرِم الأكل ممّا صِيدَ لأجله، بشرط ألّا يكون منه دلالة، أو إعانة على صَيده، وهو قول الحنفيّة، واستدلّوا بما رواه أبي قتادة عن صَيده لبعض حمر الوحش في طريقه إلى مكّة، وكان معه بعض الحُجّاج وكانوا مُحرِمين، إلّا أنّ أبا قتادة لم يكن أحرم معهم، فصاد، وأطعمهم، وحملوا بقيّة اللحم، وسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- عن ذلك، فقال: (أمِنكُم أحَدٌ أمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أوْ أشَارَ إلَيْهَا. قالوا: لَا، قالَ: فَكُلُوا ما بَقِيَ مِن لَحْمِهَا).[٣٣]
  • ما يُستثنى من تحريم الصَّيد: يُستثنى من تحريم الصَّيد ما يلي:[٣٤]
    • الحيوانات الخمسة الواردة، بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ ليسَ علَى المُحْرِمِ في قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ العَقُورُ).[٣٥]
    • الحيوان المؤذي بطَبعه، كالأسد، والنمر، والفهد، وسائر السِّباع؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يقتلُ المُحْرِمُ السَّبعَ العادي).[٣٦]
    • الهَوامّ والحشرات؛ فقد ذهب الجمهور من شافعية، وحنفية، وحنابلة إلى أنّها ليست من الصَّيد، ولا جزاء على من قَتلها، وذهب المالكيّة إلى القول بالجزاء على من قتل ما لم يكن مُؤذِياً منها.
    • صَيد البحر مُطلَقاً؛ لقوله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ)،[٣١] وذبح المواشي الإنسيّة، كالأنعام؛ من بقر، وإبل، وغنم، وكلّ طير لا يطير في الهواء، كالدجاج، والبطّ.[٣٧]

قَطع شجر وحشيش الحَرَم
اتّفق الفقهاء على حُرمة قطع شجر الحَرم الذي أنبته الله -تعالى-؛ سواءً على المُحرم، أو غير المُحرم، كما يحرم قَطع الرَّطْب من النبات، وإزالة الشوك إلّا الإذخر*؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن البلد الحرام: (فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللَّهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَن عَرَّفَهَا، ولَا يُخْتَلَى خَلَاهُ فَقالَ العَبَّاسُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إلَّا الإذْخِرَ فإنَّه لِقَيْنِهِمْ ولِبُيُوتِهِمْ، قالَ: إلَّا الإذْخِرَ)،[٣٨] وقد استُثنِي من التحريم ما انقطَع من الشجر، أو كُسِر من الأغصان، أو سقط من الاوراق من تلقاء نفسه، أمّا الجزاء المُترتّب على قَطع شجر الحرم الذي أنبته الله، فقد اختلف الفقهاء في حُكمه؛ فقال مالك: يأثم فاعله ولا جزاء فيه، وقال أبو حنيفة: يُؤَخَذ بقيمته هدي*، وقال الشافعيّ وأحمد: تُفتدى الشجرة العظيمة ببقرة، والصغيرة بشاة، بينما يجوز قطع شجر الحَرم الذي استَنبته الآدميّ عند الحنفية، والمالكية، والحنابلة، ويَحرُم ذلك عند الشافعيّة وفيه الجزاء، واستدلّوا بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ إبْراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وإنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ ما بيْنَ لابَتَيْها، لا يُقْطَعُ عِضاهُها)

المحظورات الخاصّة بالرجال
يَحرُم على المُحرِم لبس المَخيط، وهو: كل ما فُصِّل لسَتر البَدَن؛ سواء كان بخياطة، أم لا، وسواءً سترَ كلّ البَدن، أو بعضه،[٤٢] كالقميص، والسراويل، والعمامة، والخُفّ، والحذاء، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا البُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ، وَلَا الخُفَّيْنِ)، والمحظور في لبس المخيط اللبس المُعتاد؛ فإن وضع المُحرِم قميصاً على بطنه دون لبسه جاز له ذلك،[٣] أمّا المُحرِم الذي لم يجد إزاراً ورداءً ونَعلَين، جاز له لبس السروال والخُفَّين على حالهما ولا فِدية عليه عند الإمام أحمد؛ لقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (من لم يجد إزارًا ووجد سراويلَ فليلبسها ومن لم يجد نعلينِ ووجد خُفَّيْنِ فليلبسهما قلتُ : لم يقل ليَقْطَعْهُما قال : لا)،[٤٥] وذهب الجمهور من شافعيّة، وحنفية، ومالكية إلى اشتراط قَطع الخُفّ ليُصبح نَعلاً؛ لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَا الخُفَّيْنِ إِلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فإنْ لَمْ يَجِدْهُما فَلْيَقْطَعْهُما أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ)؛[٤٣] فإنّ لبسه على حاله لزمته الفِدية، كما اشترط الحنفية أن يُشَقّ السروال، وإلّا لَزِمته الفِدية،[٤٦] كما يحرم على المُحرم تغطية الرأس؛ كلّه، أو بعضه إلّا لعُذر، وله الاستظلال بشجرة، أو مِظلّة، أو غيرهما، بشرط أن لا يُلامس رأسَه شيء

المحظورات الخاصّة بالنساء
يحرم على المرأة المُحرِمة أن تستر وجهها بالنقاب، وكفّيها بالقفّازين، قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ)، إلّا أن تسترهما لعُذر؛ فجاز لها ذلك مع الفِدية،[٤٨] ويُستحَبّ للمرأة أن تُسدِل على وجهها غطاءً يستره عن الناس، ولا بأس إن مَسّ الغطاء وجهها، وأجاز ذلك المالكية، والحنابلة، قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كان الرُّكبانُ يَمُرُّون بنا ونحن مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مُحْرِماتٌ فإذا حاذُوا بنا أَسدَلَتْ إحدانا جِلْبابَها من رأسِها على وجهِها)،[٤٩] إلّا أنّ الحنفية، والشافعية اشترطوا عدم ملامسة الساتر للوجه، وهو قولٌ عند الحنابلة،[٣] كما يُباح لها أن تستر كفَّيها بغير القفّازين، كالكُمّ، أو خرقةٍ تلفّها عليهما.[٥٠]

المحظورات المختلف فيها
عقد الزواج والخِطبة
اختلف الفقهاء في صحّة عقد الزواج أو الخِطبة للمُحرِم على قولَين، هما:
  • المالكية والشافعية والحنابلة: عقد الزواج أو الخِطبة للمُحرِم والمُحرِمة لا يصحّ؛ فإن وقع العقد كان باطلاً؛ لذا يَحرُم على المُحرِم أن يتزوّج، ولو بوكيل غير مُحرِم، وأن يُزَوِّج ولو بولاية أو وكالة، أو أن تُزوَّج المُحرِمة، ويُكرَه للمُحرِم أن يَخطِب، أو يُخطِّب، وأن
  • الحنفية: يصحّ عقد الزواج أو الخِطبة للمُحرِم والمُحرِمة؛ إذ إنّ الإحرام مانعٌ للجماع كالنفاس، والحيض، لا لصحّة العقد،[٥٣] وقد استدلّوا بما رواه ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّه قال: (تَزَوَّجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَيْمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ، وبَنَى بهَا وهو حَلَالٌ)

ستر الوجه للرجل وتَقلُّد السلاح
تَحرُم تغطية الوجه للرجل عند الحنفية والمالكية، أمّا الشافعية والحنابلة فقالوا بجواز ذلك للرجل،[٥٣] أمّا تَقلُّد السلاح للمُحرِم، فقد ذهب المالكية والحنابلة إلى حُرمة ذلك، ولزوم الفِدية عليه إن تقلَّده لغير حاجة، فإن كان لحاجة فلا إثم عليه وتلزمه الفِدية، وذهب الحنفية والشافعية إلى جواز تَقلُّد المُحرِم للسلاح؛ سواءً كان لحاجة، أم لا؛ فهو ليس من اللبس المعتاد المحظور على المُحرِم.[٥٦]

الخِضاب بالحناء
اختلف الفقهاء في حُكم الاختضاب بالحنّاء للمُحرِم على ثلاثة أقوال، وهي كما يأتي:
  • الحنفية والمالكية: يحرم للمُحرِم والمُحرِمة الاختضاب بالحنّاء في أيّ جزء من البَدَن؛ لأنّه طِيب.
  • الحنابلة: يجوز للمُحرِم والمُحرِمة الاختضاب بالحنّاء في أيّ جزء من البَدَن إلّا الرأس.
  • الشافعية: يجوز للمُحرِم الاختضاب بالحنّاء في أجزاء بَدَنه جميعها إلّا اليدَين، والرجلَين؛ إذ يَحرُم خضبهما إلّا لحاجة، ولا يجوز أن يُغطّي رأسه بحنّاء ثخينة، أمّا المُحرِمة فيُكرَه لها الاختضاب بالحنّاء، ويَحرُم عليها إن كانت مُعتَدّة من وفاة، وإن كان الخِضاب نَقْشاً، فإنّه يَحرُم على المُعتَدّة من وفاة، وغيرها.

ما يترتّب على ارتكاب محظورات الإحرام
يترتّب على ارتكاب محظور من محظورات الإحرام إن كان المُحرِم عالماً ومُتعمِّداً ما يأتي
  • إن كان المحظور تقليماً للأظافر، أو لبساً للمخيط، أو طِيباً، أو تغطية للرأس، أو حَلقاً للشَّعر، فيختار المُحرِم واحداً من ثلاثة أمور؛ فإمّا صيام ثلاثة أيّام، أو ذَبح شاة، أو إخراج ثلاثة آصع* طعاماً مُوزَّعة على ستّة مساكين؛ لكلّ مسكين نصف صاع.
  • إن كان المحظور صَيداً، وجب عليه ذَبح ما يُشبه صَيده من الأنعام؛ فإن لم يكن لصَيده شبيه، وجب عليه أن يختار واحداً من أمرَين؛ فإمّا التصدُّق بقيمته على فقراء الحَرَم، أو صيام يوم عن كلّ مُدٍّ من الطعام، قال -تعالى-: (وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا).
  • إن كان المحظور إجراء عقد زواج؛ فلا فدية على المُحرِم، إلّا أنّه يأثم.
  • إن كان المحظور جماعاً؛ فإن كان بعد عرفة وقبل التحلُّل الأوّل، فإنّ حجّه صحيح، وعليه بُدنة عند الحنفيّة، ولا يصحّ حجّه عند الشافعية والحنابلة والمالكية، وعليه بُدنة عند الشافعية والحنابلة، وهديٌ عند المالكية، وأفضلها الإبل،[٢٢] وإن كان جماعاً بعد التحلُّل الأول، فحجّه صحيح باتِّفاق الفقهاء، وعليه شاة عند الشافعية والحنابلة والحنفية، وعليه بُدنة عند مالك،[٢١] وإن كان الجماع قبل الطواف والسَّعي في العمرة، فسدت عمرته وعليه قضاؤها، وعليه أن يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيّام، أو أن يطعم ستّة مساكين من فقراء مكّة، وإن كان الجماع بعد السَّعي وقبل التحلُّل، فعمرته صحيحة، وتلزمه فِدية.[٢٣]

إرسال تعليق

 
Top