( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم )
الحكم الخامس - قصة الإفك
قوله تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم )
الكلام في هذه الآية من وجهين :
أحدهما : تفسيره .
والثاني : سبب نزوله :
أما التفسير فاعلم أن الله تعالى ذكر في هذه الآية ثلاثة أشياء : أولها : أنه حكى الواقعة وهو قوله : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وقيل هو البهتان وهو الأمر الذي لا تشعر به حتى يفجأك وأصله الإفك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه ، وأجمع المسلمون على أن المراد ما أفك به على عائشة ، وإنما وصف الله تعالى ذلك الكذب بكونه إفكا لأن المعروف من حال عائشة خلاف ذلك لوجوه :
أحدها : أن كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم يمنع من ذلك . لأن الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعوهم ويستعطفوهم ، فوجب أن لا يكون معهم ما ينفرهم عنهم وكون الإنسان بحيث تكون زوجته مسافحة من أعظم المنفرات ، فإن قيل كيف جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن [ ص: 151 ] تكون فاجرة وأيضا فلو لم يجز ذلك لكان الرسول أعرف الناس بامتناعه ولو عرف ذلك لما ضاق قلبه ، ولما سأل عائشة عن كيفية الواقعة . قلنا الجواب عن الأول أن الكفر ليس من المنفرات ، أما كونها فاجرة فمن المنفرات ، والجواب : عن الثاني أنه عليه السلام كثيرا ما كان يضيق قلبه من أقوال الكفار مع علمه بفساد تلك الأقوال ، قال تعالى : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ) [ الحجر : 97 ] فكان هذا من هذا الباب .
وثانيها : أن المعروف من حال عائشة قبل تلك الواقعة إنما هو الصون والبعد عن مقدمات الفجور ، ومن كان كذلك كان اللائق إحسان الظن به .
وثالثها : أن القاذفين كانوا من المنافقين وأتباعهم ، وقد عرف أن كلام العدو المفترى ضرب من الهذيان ، فلمجموع هذه القرائن كان ذلك القول معلوم الفساد قبل نزول الوحي . أما العصبة فقيل إنها الجماعة من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة ، واعصوصبوا اجتمعوا ، وهم عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم .
أما قوله : ( منكم ) فالمعنى أن الذين أتوا بالكذب في أمر عائشة جماعة منكم أيها المؤمنون ، لأن عبد الله كان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهرا . ورابعها : أنه سبحانه شرح حال المقذوفة ومن يتعلق بها بقوله : ( لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ) والصحيح أن هذا الخطاب ليس مع القاذفين ، بل مع من قذفوه وآذوه ، فإن قيل هذا مشكل لوجهين :
أحدهما : أنه لم يتقدم ذكرهم .
والثاني : أن المقذوفين هما عائشة وصفوان فكيف تحمل عليهما صيغة الجمع في قوله : ( لا تحسبوه شرا لكم ) .
والجواب عن الأول : أنه تقدم ذكرهم في قوله : ( منكم ) وعن الثاني : أن المراد من لفظ الجمع كل من تأذى بذلك الكذب واغتم ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم تأذى بذلك وكذلك أبو بكر ومن يتصل به ، فإن قيل فمن أي جهة يصير خيرا لهم مع أنه مضرة في العاجل ؟ قلنا لوجوه :
أحدها : أنهم صبروا على ذلك الغم طلبا لمرضاة الله تعالى فاستوجبوا به الثواب وهذه طريقة المؤمنين عند وقوع الظلم بهم .
وثانيها : أنه لولا إظهارهم للإفك كان يجوز أن تبقى التهمة كامنة في صدور البعض ، وعند الإظهار انكشف كذب القوم على مر الدهر .
وثالثها : أنه صار خيرا لهم لما فيه من شرفهم وبيان فضلهم من حيث نزلت ثمان عشرة آية كل واحدة منها مستقلة ببراءة عائشة وشهد الله تعالى بكذب القاذفين ونسبهم إلى الإفك وأوجب عليهم اللعن والذم وهذا غاية الشرف والفضل .
ورابعها : صيرورتها بحال تعلق الكفر والإيمان بقدحها ومدحها ، فإن الله تعالى لما نص على كون تلك الواقعة إفكا وبالغ في شرحه فكل من يشك فيه كان كافرا قطعا ، وهذه درجة عالية ، ومن الناس من قال قوله تعالى : ( لا تحسبوه شرا لكم ) خطاب مع القاذفين ، وجعله الله تعالى خيرا لهم من وجوه :
أحدها : أنه صار ما نزل من القرآن مانعا لهم من الاستمرار عليه فصار مقطعة لهم عن إدامة هذا الإفك .
وثانيها : صار خيرا لهم من حيث كان هذا الذكر عقوبة معجلة كالكفارة
وثالثها : صار خيرا لهم من حيث تاب بعضهم عنده ، واعلم أن هذا القول ضعيف لأنه تعالى خاطبهم بالكاف ، ولما وصف أهل الإفك جعل الخطاب بالهاء بقوله تعالى : [ ص: 152 ] ( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ) ومعلوم أن نفس ما اكتسبوه لا يكون عقوبة ، فالمراد لهم جزاء ما اكتسبوه من العقاب في الآخرة والمذمة في الدنيا ، والمعنى أن قدر العقاب يكون مثل قدر الخوض .
الحكم الخامس - قصة الإفك
قوله تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم )
الكلام في هذه الآية من وجهين :
أحدهما : تفسيره .
والثاني : سبب نزوله :
أما التفسير فاعلم أن الله تعالى ذكر في هذه الآية ثلاثة أشياء : أولها : أنه حكى الواقعة وهو قوله : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وقيل هو البهتان وهو الأمر الذي لا تشعر به حتى يفجأك وأصله الإفك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه ، وأجمع المسلمون على أن المراد ما أفك به على عائشة ، وإنما وصف الله تعالى ذلك الكذب بكونه إفكا لأن المعروف من حال عائشة خلاف ذلك لوجوه :
أحدها : أن كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم يمنع من ذلك . لأن الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعوهم ويستعطفوهم ، فوجب أن لا يكون معهم ما ينفرهم عنهم وكون الإنسان بحيث تكون زوجته مسافحة من أعظم المنفرات ، فإن قيل كيف جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن [ ص: 151 ] تكون فاجرة وأيضا فلو لم يجز ذلك لكان الرسول أعرف الناس بامتناعه ولو عرف ذلك لما ضاق قلبه ، ولما سأل عائشة عن كيفية الواقعة . قلنا الجواب عن الأول أن الكفر ليس من المنفرات ، أما كونها فاجرة فمن المنفرات ، والجواب : عن الثاني أنه عليه السلام كثيرا ما كان يضيق قلبه من أقوال الكفار مع علمه بفساد تلك الأقوال ، قال تعالى : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ) [ الحجر : 97 ] فكان هذا من هذا الباب .
وثانيها : أن المعروف من حال عائشة قبل تلك الواقعة إنما هو الصون والبعد عن مقدمات الفجور ، ومن كان كذلك كان اللائق إحسان الظن به .
وثالثها : أن القاذفين كانوا من المنافقين وأتباعهم ، وقد عرف أن كلام العدو المفترى ضرب من الهذيان ، فلمجموع هذه القرائن كان ذلك القول معلوم الفساد قبل نزول الوحي . أما العصبة فقيل إنها الجماعة من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة ، واعصوصبوا اجتمعوا ، وهم عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم .
أما قوله : ( منكم ) فالمعنى أن الذين أتوا بالكذب في أمر عائشة جماعة منكم أيها المؤمنون ، لأن عبد الله كان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهرا . ورابعها : أنه سبحانه شرح حال المقذوفة ومن يتعلق بها بقوله : ( لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ) والصحيح أن هذا الخطاب ليس مع القاذفين ، بل مع من قذفوه وآذوه ، فإن قيل هذا مشكل لوجهين :
أحدهما : أنه لم يتقدم ذكرهم .
والثاني : أن المقذوفين هما عائشة وصفوان فكيف تحمل عليهما صيغة الجمع في قوله : ( لا تحسبوه شرا لكم ) .
والجواب عن الأول : أنه تقدم ذكرهم في قوله : ( منكم ) وعن الثاني : أن المراد من لفظ الجمع كل من تأذى بذلك الكذب واغتم ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم تأذى بذلك وكذلك أبو بكر ومن يتصل به ، فإن قيل فمن أي جهة يصير خيرا لهم مع أنه مضرة في العاجل ؟ قلنا لوجوه :
أحدها : أنهم صبروا على ذلك الغم طلبا لمرضاة الله تعالى فاستوجبوا به الثواب وهذه طريقة المؤمنين عند وقوع الظلم بهم .
وثانيها : أنه لولا إظهارهم للإفك كان يجوز أن تبقى التهمة كامنة في صدور البعض ، وعند الإظهار انكشف كذب القوم على مر الدهر .
وثالثها : أنه صار خيرا لهم لما فيه من شرفهم وبيان فضلهم من حيث نزلت ثمان عشرة آية كل واحدة منها مستقلة ببراءة عائشة وشهد الله تعالى بكذب القاذفين ونسبهم إلى الإفك وأوجب عليهم اللعن والذم وهذا غاية الشرف والفضل .
ورابعها : صيرورتها بحال تعلق الكفر والإيمان بقدحها ومدحها ، فإن الله تعالى لما نص على كون تلك الواقعة إفكا وبالغ في شرحه فكل من يشك فيه كان كافرا قطعا ، وهذه درجة عالية ، ومن الناس من قال قوله تعالى : ( لا تحسبوه شرا لكم ) خطاب مع القاذفين ، وجعله الله تعالى خيرا لهم من وجوه :
أحدها : أنه صار ما نزل من القرآن مانعا لهم من الاستمرار عليه فصار مقطعة لهم عن إدامة هذا الإفك .
وثانيها : صار خيرا لهم من حيث كان هذا الذكر عقوبة معجلة كالكفارة
وثالثها : صار خيرا لهم من حيث تاب بعضهم عنده ، واعلم أن هذا القول ضعيف لأنه تعالى خاطبهم بالكاف ، ولما وصف أهل الإفك جعل الخطاب بالهاء بقوله تعالى : [ ص: 152 ] ( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ) ومعلوم أن نفس ما اكتسبوه لا يكون عقوبة ، فالمراد لهم جزاء ما اكتسبوه من العقاب في الآخرة والمذمة في الدنيا ، والمعنى أن قدر العقاب يكون مثل قدر الخوض .
إرسال تعليق