بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما
ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه،
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون
أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.أيها الإخوة المؤمنون: الحديث الشريف اليوم حديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))
نأخذ من هذا الحديث فقرة واحدة، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم:
((فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))
أيها الإخوة: الله جل جلاله حينما قال:
﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
فالبيان من أخص خصائص الإنسان، وأعتقد أن أخطر
نشاط للإنسان هو كلامه، بل إن الأنبياء العظام بماذا جاؤوا ؟ بالكلمة،
بكلمة طيبة، والكلمة الطيبة قد تصلح مجتمعاً، وقد تنقذ أمةً، وقد تسعد
البشرية كلها، لكن هذه الكلمة كما أنها يمكن أن تكون سبب سعادة البشرية
يمكن أن تكون سبب شقائها، قال تعالى:
﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾
فيمكن أن تصلح أمة بأكملها بكلمة طيبة صادقة
مخلصة، ويمكن أن تفسد أمة بكلمة خبيثة كاذبة مرائية فيجب أن يعلم الأخ
الكريم أن أخص خصائص الإنسان البيان قال تعالى:
﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
وانطلاقاً من مقولة أقولها دائماً، وهي أن كل
حظوظ الإنسان في الدنيا إما أنها سلّم ترقى به، وإما إنها دركات تهوي بها،
خاصة البيان الذي يمكن أن توظفه في هداية البشرية، ويمكن أن توظفه في إضلال
البشر، المبادئ الهدامة، المبادئ الوضعية الإلحادية كيف تروَّج ؟ بالكلمة،
بالتأليف، بالكتاب.بالمناسبة، اللغة العربية أو أية لغة إنسانية فيها أربعة نشاطات، النشاط الأول التكلم، والثاني الاستماع، والثالث الكتابة، والرابع القراءة، فاللغة تكلم، واستماع، وكتابة، وقراءة، فلو أن اللغة كلام واستماع لاقتصرت وظيفة اللغة على من تعاصره فقط، ولكن أن تنتقل الثقافات من جيل إلى جيل، ومن أمة إلى أمة فهذا يحتاج إلى الشق الثاني من اللغة، إلى أن تكتب، وإلى أن تقرأ، أنت الآن تقرأ كتاب الإحياء للغزالي، تقرأ تفسير القرطبي، تقرأ تراث أمة أخرى عن طريق الكتابة والترجمة والقراءة.
فثقافات البشرية تتراكم بهذه الطريقة، لما يدرس الطالبُ علم الفيزياء في الصف الحادي عشر أو الثاني عشر هو لا يدري أنه يدرس خلاصة علوم العلماء من ألف عام تراكمت عن طريق اللغة المكتوبة والمقروءة، لذلك:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ
الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)﴾
علم بالقلم إشارة إلى اللغة المكتوبة، لذلك
يؤخذ العلمُ مشافهة، ويؤخذ مدارسةً، وأكمل شيء في العلم أن تأخذه مشافهة
ومدارسةً، يعني أن تقرأ كتاباً على يد عالم.أيها الإخوة: مرةً ثانية، البيان أخص خصائص الإنسان، الله جل جلاله كرم الإنسان بالبيان، أضرب لكم مثلاً: لو أن البيان لم يكن في بني البشر، وأراد حاكم أمة أن يوجه أمراً ما كيف يُعلِم هذه الأمة بشيء ما ؟ لابد من أن يكون لكل مواطن موظف يدفعه إلى الدخول إلى بيته، لكن تصور قرار منع تجول يذاع في الإذاعة مرة واحدة ترى الطرقات فارغة، معنى هذا أن اللغة من تعاريفها أنها أداة اتصال بين أفراد النوع، وهي أرقى اتصال، فإذا قلت لإنسان: اخرج، فإنه يقف ويخرج، أما إذا أردت أن تخرجه بقوتك العضلية فينبغي أن تقف، وتحمله، وأن تلقيه خارج البيت، فاللغة أرقى أدوات الاتصال بين أفراد النوع، اتصال راقٍ جداً، أنت من الممكن أن تأخذ أفكار إنسان وتجاربه وعلمه وخبرته ومشاعره وعواطفه من خلال قراءة إنتاجه العملي.
فاللغة أيها الإخوة الأكارم: تعد أخص خصائص الإنسان، وانطلاقاً من المقولة الشهيرة أن كل حظوظ الإنسان يمكن أن توظف في الحق كما يمكن أن توظف في الباطل ففي اللغة ينتشر الضلال، وباللغة تثار الغرائز في الأدب الرخيص، وباللغة تكاد المكائد، وباللغة تخرب الديار، وباللغة تشتت الجماعات، وباللغة تفصم العرى، وباللغة تؤلف القلوب، وباللغة يجتمع الشمل، وباللغة يعم الخير والرشاد، فيجب أن تعلم أن أخص خصائصك كلامك، ولا يوجد إنسان يسكت، الإنسان الغني والفقير، والتاجر الريفي والمدني يتكلم باستمرار، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام في مجموعة من الأحاديث كبيرة جداً ضبط موضوع الكلام.
وبصراحة أقول لكم أيها الإخوة: من أخص خصائص المؤمن ضبط لسانه، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))
طبعاً لهذا الحديث تتمات وروايات كثيرة، منها: فلا يؤذي جاره، منها: فليحسن قرى ضيفه، منها: فليصل رحمه.الآن الإيمان إقرار واعتقاد وعمل، ما وقر في القلب، وأقره اللسان، وصدقه العمل، هذا الإيمان، ليس إيمانًا اعتقاديًا فقط، ولا إيمانًا صامتًا، الإيمان ناطق، ولا يوجد إيمان ساكن، الإيمان متحرك، في اللحظة التي يستقر فيها الإيمان في قلب الإنسان يعبر عن ذاته بالطمأنينة في قلبه، وبالذكر في لسانه، وبخدمة الناس في عمله، فالإيمان اعتقاد، والإيمان إقرار، والإيمان عمل.
الآن من أعمال الإيمان، كلمة إيمان كلمة كبيرة جداً، يعني من السذاجة أن تصفها بصفة واحدة، أخي الإيمان اعتقاد ؟ لا، الإيمان اعتقاد، والإيمان اتصال بالله، والإيمان طمأنينة، والإيمان دعوة، والإيمان عمل، هل تصدق أن وردةً من أخص خصائصها رائحتها، فإن لم تكن لها رائحة فهي وردة اصطناعية، وليست وردة طبيعية، تحكم على أنها ميتة من مادة بلاستيكية، لأن من أخص خصائص الوردة الطبيعية فوحان رائحتها، فالإيمان عمل، قال عليه الصلاة والسلام:
((وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ))
وقد بينت لكم من قبل أن من ألزم لوازم الإيمانِ
الإيمانُ باليوم الآخر، لأن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر
متكاملان، أنت إذا آمنت أن لهذا الكون إلهاً خالقاً خلقه، ورباً يمده،
وإلهاً يسيره، ولم تؤمن أن هذا الإله سوف يحاسبك عن كل كلمة، وعن كل حركة،
وعن كل سكنة فلا تستقيم على أمره.ليس ثمة قانون إلا وله كما يسميه الحقوقيون المؤيد القانوني، أصدر نظام سير بتفاصيل في خمسين صفحة، لكن ليس فيه عقوبة واحدة، لا قيمة له أبداً، أما الإنسان إذا لم يكن معه شهادة تسحب منه أوراق السيارة أسبوعين، إذا قاد من دون إجازة أودع في سجن، كل مخالفة لها ردع، لذلك الإيمان بالله مؤيده القانوني اليوم الآخر، هذا الإله خلق، وكلف، ويعلم، وسيحاسب
، ((وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ))
لو قال: من كان يؤمن بالله لما تناسبت المقدمة
مع النتيجة، آمنت بالله موجودًا، خالق الكون خالق عظيم، أما إذا ما آمنت
أنه سيحاسب عن كل حركة وسكنة فستسقيم على أمره، لذلك جاء أمر النبي عليه
الصلاة والسلام:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ))
صدقوني أيها الإخوة أن الناس أحد رجلين ؛ رجل
مؤمن بالجزاء، ورجل مؤمن بالعبثية، المؤمن بالعبثية لا يستقيم، وعدم
استقامته تنسجم مع إيمانه، إذا كانت الأمور فوضى، وإذا لم يكن لموظفٍ في
دائرة دوام ولا من يحاسبه، ولا مكافأة للمحسن، ولا عقاب للمسيء، ولا توقيع،
ولا مسؤولية، ولا شيء، فلا أحد يعمل إطلاقاً، إذا لم يكن هناك إيمان
بالجزاء فما لا استقامة، ولا التزام، أما إذا أيقن الإنسان بالعبثية فلا
يستقيم، ولن تستقيم على أمر الله إلا إذا آمنت بالجزاء يوم الدين، فإذا
أيقن الإنسان بالحساب فلا بد أن يستقيم.أيها الإخوة الأكارم:
((وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا))
عندك حالتان ؛ إما أن تنطق بالحق، وإما أن تسكت، وفي الحقيقة ما مِن نشاط
إنساني سلس، فيمكن أن تنجر ببساطة إلى كلام فارغ، إلى كلام ليس له معنى،
إلى كلام يؤذي، إلى غيبة، لذلك معظم المسلمين، أقول: معظم المسلمين لا
يشربون الخمر، ولا يزنون، ولا يقتلون، لكن ما الذي يحجبهم عن ربهم ؟
لسانهم، هذا اللسان فيه انزلاق إلى الغيبة، إلى النميمة، إلى البهتان، إلى
الزور، إلى السخرية، إلى الكبر، لذلك أحد أسباب سعادة الإنسان لسانُه إذا
ضبطه، وهو من أسباب شقائه إذا تفلت، لهذا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ
قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا
يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))
رجل سأل النبي عليه الصلاة والسلام اسمه أسود
بن أصرم المحاربي قال يا رسول الله أوصني، إنسان يسأل سيد الخلق، قال:
أوصني، فقال عليه الصلاة والسلام: هل تملك لسانك ؟ قال: ما أملك إذا لم
أملك لساني ؟ ويحي إن لم أملك لساني، فماذا أملك ؟ وبصراحة المؤمن لا يكون
بطلاً إلا إذا ملك لسانه، لأنه أحيانا تنجر في حديث ممتع، تعرف قصة عن فلان
لو قلتها كأنك تلقي قنبلة، ما هذا الحديث، هل هذا معقول ؟ معي أدلة، هذه
متعة الغيبة والنميمة، فيها متعة وقتية، لكن فيها انقباض وحجاب، لكن ضبط
اللسان تكليف، الحديث في الغيبة والنميمة يتوافق مع طبع الإنسان، لأن
الإنسان فضولي يحب أن يعرف كل شيء، ما سببه، ما علته، أما ضبط اللسان فهو
تكليف، فالإنسان من دون جهد ينزلق في معاصي اللسان، أما ضبط اللسان فيحتاج
إلى جهد، ويحتاج إلى يقظة، وإلى دقة.فلذلك قال: يا رسول الله أوصني، فقال عليه الصلاة والسلام: هل تملك لسانك ؟ قال: ما أملك إذا لم أملك لساني ؟ فقال: هل تملك يدك ؟ فقلت: فما أملك إن لم أملك ؟ يدي، فقال عليه الصلاة والسلام: فلا تقل بلسانك إلا معروفاً، ولا تبسط يدك إلا إلى خير، هذه وصية رسول الله.
وأقول لكم مرة ثانية: لا تستطيع أن تشعر أنك مع الله دائماً إلا بضبط اللسان، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ))
مادمت ضابطًا للسانك فأنت مع الله، ومادام
اللسان في تفلت جاء الحجاب، وأول حجاب يحجبك عن الله عز وجل تفلت اللسان عن
منهج الله عز وجل.عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا
يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا
يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ
الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))
هذا الحديث أصل في هذا الباب، أن يكون قلبه مع الله مقبلا عليه، منيبًا إليه، خاشعًا له، ينطوي على حب للخير،
((لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ))
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه))
أيْ حتى يضبط لسانه.هناك إنسان لا يفتر عن الكلام، يتكلم دائماً، وهناك قاعدة: من كثر كلامه كثر خطؤه، ترى إنساناً في جلسة مالكًا ضابطًا لكلامه، لما يغلط يعتذر، ويخاف، يا ترى هل هذا الكلام أحاسب عليه ؟
قال الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنســان لا يلدغنك إنه ثعبــــان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعـان
في كل بلاد الأرض أحيانا كلمة تقولها قد تشقيك، لذلك المؤمن لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يخزن لسانه.كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعـان
أخرج الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
((لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه))
يعني الكلام الجيد يتكلمه، الطيب يتكلمه،
البشارة يبشر بها، التذكير يذكر به، تفسير آية، يفسر حديثاً، يذكر موقفًا
بطوليًا، يتكلم عنه، ينصح نصيحة، يأمر بالمعروف، ينهى عن منكر، يصلح بين
رجلين.لا غيبة، لا نميمة، لا سخرية، لا إفساد بين الناس،
((لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه))
ومن حديث معاذ بن جبل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
((إنك يا معاذ لن تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك ))
وأنت ساكت في سلام، فإذا تكلمت كان لك أو عليك.أحيانا يتكلم الإنسان كلمة فيصغر بها، يروى أن أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى كان جالسًا بين عدد من إخوانه في درس فقه، وكانت رجله تؤلمه، طبعاً النبي عليه الصلاة والسلام كما تعرفون ما رئي ماداً رجليه قط، لكن في حالة شخص معه آلام في مفاصله فيبدو أنه كان معذوراً فمد رجله، فدخل شيخ مهاب، طويل القامة، عريض المنكبين، يضع على رأسه عمامة، فاستحيا أبو حنيفة، ورفع رجله على مضض، جلس الرجل في مجلسه، وبعد أن انتهى الدرس سأله فقال: يا سيدي كيف نصلي الفجر إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ فقال أبو حنيفة عندئذ: يمد أبو حنيفة رجله.
لأن بهذه الكلمة صغر، أحياناً رجل له هيبة يتكلم كلمة واحدة يصغر، فلذلك الإنسان المؤمن عزيز، والمؤمن يمثل دين الله عز وجل، فكلمة تصغر أحيانا، وكلمة يسقط بها من عين الله، ولأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، قد تكون فقيراً، لكنك عند الله عظيم، قد تكون مجهداً، لكنك عند الله كريم، قد تكون متعباً، مريضاً، المرض ليس عاراً، والفقر ليس عاراً، وأن تكون متعباً ليس عاراً، عندك عمل اثنتي عشرة ساعة، أنت مجهد، من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له، لكن:
((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ))
أيها الإخوة الأكارم: ومن حديث معاذ بن جبل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
((إنك يا معاذ لن تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك))
الآن هناك دقيق: وأنت ساكت في سلام، أما التكلم بالحق فهو رقي، أنا لا أقول: اصمتوا دائماً، التكلم بالحق فيه رقي. وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ صَمَتَ نَجَا))
ولا سيما في آخر الزمان، إذا رأيت شحاً مطاعاً
وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فأمسك لسانك، والزم بيتك، وخذ ما تعرف،
ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة.إذا كانت الأمور مضطربة، أهواء، انحرافات، مبادئ هدامة، ازدواجية، أشخاص لهم ظاهر، ولهم باطن، خداع، قنص، مجتمع اضطربت فيه العهود، مرجت فيه المواثيق، مجتمع أؤتمن فيه الخائن، وخوِّن الأمين، وصدِّق الكاذب، وكذِّب الصادق، وأُمِر فيه بالمنكر، ونُهِي فيه عن المعروف، في مجتمع كهذا المجتمع الزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة.
وفي القرآن الكريم آية توضح هذا المعنى، قال تعالى:
﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا
اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾
فالإنسان كهفه الآن بيته، وكهفه مسجده، أغلقت
الباب عليك، من نعم الله العظمى أننا نعيش في أمن، قرأت تحقيقًا صحفيًا عن
بلاد أمريكا حيث سبعة وثمانون بالمئة من الشعب الأمريكي وهو في بيته خائف،
طالب ياباني طرق باباً خطأً فكان الجواب رصاصة استقرت في رأسه، صاحب البيت
خائف، ظنه مجرمًا فقتله، الحمد لله نحن نتمتع بنعمة لا تقدر بثمن، نعمة
الأمن، إذا دخل الإنسان بيته فهو آمن، فيحب أن يصلي ويقرأ القرآن الكريم مع
أولاده، ينصحهم، يدير معهم حديثًا ممتعًا، يوجه زوجته، فهو آمن، فبيتك
كهفك، ومسجدك كهفك، قال تعالى:
﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا
اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾
وعلامة الإيمان:
((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ بِظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ - من هؤلاء - رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ))
وهو في المسجد كالسمك في الماء، أنا أصدق
إنسانًا يأتي بيت الله ليس له مصلحة دنيوية، لا صفقة، ولا بيعة، ولا شيء
أبداً، لا يبتغي إلا وجه الله، يأتي إلى المسجد، ويجلس على ركبتيه، لا يوجد
مقعد وثير، ولا ضيافة، ولا شيء، ولكن فيه رحمة الله عز وجل، يقول لك:
والله ارتحت، الحياة متعبة ومقلقة، والإنسان فوقه ألف سيف، هكذا العصر
الحديث، تلوث، وأمراض وبيلة، وأخطار، فالإنسان تحت هذا الخوف الشديد يأوي
إلى بيت الله عز وجل فيستريح.وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا
يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ
الْمَشْرِقِ))
وفي حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ ))
من عدّ كلامه من عمله نجا، كلامك جزء من عملك،
لذلك ما الذي يحجبنا عن الله ؟ هذا اللسان، قلت لكم قبل قليل: الذين يشربون
الخمر قلائل، والذين يأكلون المال الحرام قلائل، والذين يقتلون، والذين
يرتكبون الفواحش قلائل، لكن الذين يلغطون في أحاديثهم كثر، والمعصية تحجب،
ولو كانت صغيرة، وهنا ملاحظة دقيقة جداً أسوقها لكم باللغة الدارجة: حوينتك
تنحجب عن الله بسبب تافه.القاتل محجوب، الزاني محجوب، شارب الخمر محجوب، آكل الربا محجوب، لكن هؤلاء محجوبون لسبب كبير، أما من أجل كلمة، مزحة، إشارة، طرفة، غيبة، كلمة تقولها تحجب عن الله عز وجل فهذا خطر كبير، لسبب تافه، هذا ليس معقولاً.
((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ))
وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ
لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ
الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي
لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ))
أنت تعرف إذا تكلمت كلمة صادقة مخلصة، وهذا الإنسان تأثر بها، واهتدى بها، تهدي بها أمةً، والدليل: قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾
لو قدّر الله عز وجل على يد رجلٍ هدى إنسان،
ثم مات، هذا الإنسان له من ذريته ثمانمئة ألف مؤمن، كلهم في صحيفة هذا الذي
تكلم كلمة، لمَ الله عز وجل قال:
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾
هل تعلم لماذا قال الله كشجرة طيبة ؟ أنا أضرب
لكم مثلا بشجرة التين، التين كم بذرة فيها ؟ هي كلها بذر، وكل بذرة بقدر
رأس الدبوس، وكل بذرة شجرة، السيارة كم تحمل من التين ؟ مئة ألف بذرة، وكل
واحدة تساوي شجرة، وكل شجرة مئة ألف تينة، وكل تينة مئة ألف.
((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ
رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا
دَرَجَاتٍ))
أحياناً أنت لا تنتبه فتتكلم عن الله عز وجل،
أما المستمع فكلمة من كلماتك تفعل فيه فعل السحر، أحياناً إنسان يغير
اتجاهه مئة وثمانين درجة بكلمة قالها إنسان، وهناك مغنٍّ شهير جداً بريطاني
دخله بالملايين، دخل إلى مكتبة، فوجد كتاباً استغرب من مؤلِّفه، فقال: مَن
مؤلف هذا الكتاب ؟ هو قرأن كريم، قيل له: خالق السماوات والأرض، طبعاً
الكتاب مترجم، أول آية: ذلك الكتب لا ريب فيه، قال: هذا الكلام غير صحيح،
والله لأقرأنه كلمة كلمة، ولأجدن فيه الريب، فعكف على قراءته، فأسلم، الآن
كل ثروته يشتري بها أسطوانات غنائه ليتلفها، والآن هو من كبار الدعاة إلى
الله عز وجل.والله هناك قصص لا مجال لذكرها الآن، إنسان غير اتجاهه مئة وثمانين درجة من كلمة صادقة مخلصة، فلا تزهد بالكلمة، لا تضن بها على أخيك، أحياناً تفسير آية يحل مشكلة مستعصية عند الإنسان، أحيانا حديث شريف واحد يحل مشكلة.
((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ
رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا
دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ
اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
فإذا كانت الكلمة كافية لدخول الجنة، وكلمة
أخرى كافية لدخول النار، فمعنى ذلك أن الكلام شيء خطير في حياتنا، واللهِ
أحياناً كلمة طيبة من زوج لزوجته ترى الفرحة والسرور والسعادة ملأت البيت،
وكلمة قاسية فيها تهكم، فيها سخرية، سباب أحياناً ترى الخلاف شهرًا،
الاثنين معذبان من كلمة قاسية قالتها الزوجة، أو قالها الزوج، فضبط اللسان
عمل عظيم، ضبط اللسان رقي بالإنسان، أنا أشعر أنك تعيش مع مؤمن عشرين سنة
فتقول: واللهِ ما قال كلمة نابية، هناك شخص كل كلامه مزاح رخيص، في
العورات، كلام كله مغشوش، المؤمن ليس فحاشاً، ولا لعاناً، أحياناً يكون
الشخص جميل الصورة أنيقًا فيتكلم كلاماً بذيئاً.
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
لما يتكلم كلاماً بذيئاً، يمزح مزحاً
رخيصاً، يذكر العورات، تراه صار في الوحل، هذا مكانه الحاوية، شخص يرتدي
ثياباً أنيقة جداً، وتكلم كلاماً بذيئاً، أحدهم من وجهاء الأحياء قال له:
إما أن تتكلم مثل لباسك، وإما أن تلبس مثل كلامك، اللباس لا يتناسب مع
الكلام.حديث آخر، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ أُمِّهِ ابْنَةِ أَبِي الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَدْنُو مِنْ الْجَنَّةِ حَتَّى
يَكُونَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قِيدُ ذِرَاعٍ فَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ فَيَتَبَاعَدُ مِنْهَا أَبْعَدَ مِنْ صَنْعَاءَ))
كلمة واحدة تبعده، أحيانا كلمة كبر، كلمة قهر،
كلمة سخرية، كلمة استعلاء، كلمة غطرسة، كلمة شك، كلمة خيانة، كلمة واحدة
عشرات بل مئات حالات من الزواج فسخت من كلمة، وشركات ضخمة انفصمت من كلمة،
ومجتمعات انهارت من كلمة، وحروب دامت عشر سنوات من كلمة، هذه حرب داحس
والغبراء، وحرب الفجار في الجاهلية من أسبابها رجل مد رجله، وقال: من كان
أشرف مني فليضربها، فقام واحد وضربها، نشبت حرب دامت عشر سنوات من كلمة.
((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ
رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا
دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ
اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
يقول عليه الصلاة والسلام:
((كلام ابن آدم عليه لا له إلا ذكر الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ))
يا أيها الإخوة الأكارم: ليس هناك إنسان ليس له
جلستان أو ثلاث في الأسبوع مع أهله، مع جيرانه، في دور في تعزية، في فرح،
في عقد قران، في نزهة، في وليمة، لا يوجد إنسان يعيش بمفرده مهما تكن درجته
الاجتماعية متدنية، له أقرباء، له أصحاب، زملاء، ماذا تقول في هذه
اللقاءات ؟ الكلام عن الدنيا يبعد النفوس عن الله عز وجل، أحيانا يكون
الجالسون غير متجانسين، أحدهم دخله محدود، والثاني دخله غير محدود، إذا أحب
أن يتبجح صاحب الدخل غير المحدود بأعماله التجارية وممتلكاته، وما اشترى،
وباع، ونزهاته أدخل الحزن على قلب صاحب الدخل المحدود، وأحرق قلبه، والقهر
صعب، والاستعلاء صعب، فيجب تصرف الحديث عن ولائمك، وعن مصروفك الشهري،
ومقتنياتك، هذا كلام فارغ، لا أحد ينتبه لك، واحد دخله محدود، واحد مريض،
والثاني أنا أجريت تحليلا كله كامل، كسر خاطره، اشكر الله بينك وبين نفسك،
إذا كنت في نعمة تتمتع بها، وأخوك يفقدها فلا تذكرها أمامه، فإنك تؤلمه.عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ:
((قَالَ لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ
يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ
اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ
حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ
وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو
بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ
وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ
عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا
كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ
عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ،
وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ))
واحد شكا لك عن أولاده، أنا عندي أولاد ملائكة، كسرت خاطره، حكى لك عن
زوجته، أنا التي عندي درجة أولى، الحمد لله، هذا كلام غير لبق، كلام فيه
استعلاء، كلام فيه قهر، كلام فيه كسر للخاطر، الإنسان دائماً يحب إذا عاش
مع الناس عاش مشكلاتهم، الأنبياء عاشوا مع الناس، عاشوا مشكلاتهم، فعَنْ
أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ
لَهُ:
((هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ))
هو واحد من الناس.سيدنا معاذ مرة سأل النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ مُعَاذٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم))
الكلام وحده سبب لدخول النار، من يعرف هذا
الشيء ؟ الذي طهر الله عز وجل قلبه، الإنسان المؤمن غالٍ على الله، طاهر،
عنده حصافة، عنده كياسة، عنده لباقة، عنده حكمة، أحيانا تجلس في مجلس فتسمع
كلاماً لا يُسمع، فيه تبجح، فيه مبالغة، فيه اعتزاز بالنفس، فيه شرك، فيه
سخرية، واحد دعاك إلى بيته، وبيته صغير، تقول له: كيف وسعك هذا البيت ؟ لا
يُسكن فيه، هل هذا الكلام يقال ؟ هو قصده: لماذا أخذته صغيرًا إلى هذا
الحد.مرة دخلت إلى بيت من فضل الله ديوان ديوانان وبينهما ثلاثون سنتمترًا، غرفة ضيوف، صاحب البيت استحيا، قال: ماذا نفعل ؟ قلت له: النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق، وحبيب الحق كان إذا أراد أن يصلي قيام الليل غرفته لا تتسع لصلاته ونوم زوجته، وهو سيد الخلق، سبحان الله أشرق وجهه ! من أنت ؟ رسول الله الذي هو أغلى إنسان على الله عز وجل غرفته التي سكن بها لا تتسع لصلاته ونوم زوجته.
دخل عليه عدي بن حاتم الطائي، فألقى إليه وسادة من أدم محشوة ليفاً، قلت: اجلس عليها قال: بل أنت، قال: بل أنت، قال: فجلست عليها، وجلس النبي عليه الصلاة والسلام على الأرض، بيت رسول الله ما عنده إلا وسادة واحدة دفعها لضيفه، وجلس هو على الأرض، إذا استحيا شخص ببيته أمامك، يستحي بأثاثه فقل له هاتين القصتين حتى يطمئن، ويجبر خاطره.
أحيانا الإنسان يتكلم كلاماً يكسر خاطر الناس، يتكلم كلاماً يكره الناس بحياتهم، يكره أخته بزوجها، ما طبختم ؟ معكرونة، استحيت، هذه هي الكلمة ؟ ترى كلامه قاسيًا، كلامه فظ، فيه تنفير، الحمد لله، قال: طيبته العافية، قل: الحمد لله على العافية والصحة وراحة البال، إذا كان زوج أخته مستقيمًا تكلم لها على استقامته، على أمانته، على حلمه، واجعلها تحبه، ولو كانت حياته خشنة، الأنبياء كانت حياتهم خشنة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا
بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ
وَأَنْتَ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ
مَكَّةَ))
ما القراريط ؟ أي خمسة ليرات في اليوم، سيد
الخلق كان راعياً، العمل شرف، الله عز وجل يربّي العباد، أيام عملك صعب،
اثنتي عشرة ساعة دوامًا، ودخل قليل، لما ينقلك إلى عمل ثماني ساعات تتنفس
الصعداء، لما لا تنزل بعد الظهر إلى العمل تقول: الحمد لله، أحيانا الإنسان
ينقله الله من حال إلى حال، لكن إذا بدأ حياته صعبة، ثم يسر له مع تقدمه
في العمر فهذه نعمة كبيرة، أحيانا بالعكس، في أول حياته ترف فاحش، ثم في
ضيق، هذا هو السلب بعد العطاء، كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من
عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.الآن في المجالس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ ))
والله الذي لا إله إلا هو أحيانا يجلس الإنسان
جلسة فيها كأس شاي، لكن الحديث عن الله عز وجل، يقول لك: هناك تجلٍّ منقطع
النظير، وسرور، وأحيانا سهرات تكون قطعة من الجنة، فيها إخلاص، فيها حب،
فيها ذكر لله عز وجل، أينما جلس يجعل همه ذكر الله، لا يبقى ساكتاً، أليس
قد سمع آية، حكمًا فقهيًا، سيرة، تحدث بها، لما تتحدث عن الله عز وجل تملك
القلوب، وصارت الجلسة مباركة.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
((مَنْ
قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ
اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ
كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ))
أي عقاب، جلس في مجلس فتكلم عن الأسعار فقط،
الجلسة الثانية عن الطقس فقط، الثالثة عن الغلاء، الرابعة عن الناس، أخبار
لا تقدم ولا تؤخر، " قال: من هذا ؟ قالوا: نسابة، قال: وما نسابة ؟ قالوا:
يعرف أنساب العرب، قال: ذاك علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به "،
أشياء لا تقدم ولا تؤخر.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ
اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ إِلَّا كَانَ
عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ
يَذْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ
الْقِيَامَةِ))
يعني عقابًا وألمًا وندمًا.حديث آخر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا
قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا
كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ دَخَلُوا
الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ))
هذه نقطة هامة جداً، جلسوا مجلسًا لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم هذا المجلس حسرة يوم القيامة.وقال مجاهد: " ما جلس قوم مجلساً فتفرقوا قبل أن يذكروا الله إلا تفرقوا عن أنتن من ريح الجيفة، وكان مجلسهم يشهد عليهم بغفلتهم، وما جلس قوم مجلساً فذكروا الله قبل أن يتفرقوا إلا تفرقوا عن أطيب من ريح المسك، وكان مجلسهم يشهد لهم بذكرهم".
لذلك كان الصحابة الكرام إذا تفرقوا يقرؤون جميعاً:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
التقيت مع أخ، كيف حالك ؟ يقول: الحمد لله،
صحتك بخير، العمل، يقول لي: جيد، علاقتك مع الله كيف ؟ وأحاول دائماً أن
أضيف هذا السؤال: كيف، يقول لي: في فتور، ما السبب ؟ هكذا.يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات يوم القيامة، يقول عليه الصلاة و السلام:
((إياكم و فضول الكلام، بحسب امرئ ما بلغ حاجته))
وعن بعض الأئمة أنه " يهلك الناس في فضول
الكلام والمال "، المال الزائد يوظفونه في الربا أحياناً، أو يستهلكونه
بالترف الاستعلاء، وفضول الكلام بالغيبة والنميمة، فيهلك الناس في فضول
القال والكلام.وقد ورد أن " الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب "، أي الحجاب، الثرثرة، الكلام الزائد.
أورد الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعاً عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ))
وقد قال عمر t: "من كثر كلامه كثر سخطه "، الذي يتكلم كثيرا، الثرثار، كثير الكلام كثير السخط.قال: " إن الكلام أربعة ؛ أن تذكر الله، وأن تقرأ القرآن، وأن تسأل عن علم فتخبر به، وأن تتكلم فيما يعنيك من أمر دنياك "، تريد أن تشتري منزلا تسأل عن أسعار البيوت، و أوضاعها، فيما يعنيك من أمر دنياك، قال رجل لأحد التابعين: " أوصني، قال: لا تتكلم، قال: لا يستطيع من عاش في الناس أن يأخذ بلسانه، ويقول: هذا أوردني الموارد، وقال ابن مسعود t: "واللهِ الذي لا إله إلا هو ما على الأرض أحق بطول سجن من اللسان ".
قال: " رأس الحكمة الصمت "، وقال بعضهم: " يا ابن آدم، إنك ما سكت فأنت سالم، فإذا تكلمت فخذ حذرك، إما لك أو عليك ".
وقال بعضهم: " سجن اللسان سجن المؤمن ".
وقال بعضهم: "ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان ".
الحج أهون من حبس اللسان والرباط والجهاد، أهون من حبس اللسان نشاط متفشٍ سلسٍ ومغرٍ، فأكثر الناس يحجبون بألسنتهم.
قال: "ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد ".
إذا دقق الإنسان في كلامه يهتم هماً شديداً، وهذا الهم مقدس.
سؤال الآن نختم به الدرس.
عند الأحنف بن قيس تناقش أناس وتدارسوا أيها أفضل النطق أم الصمت مطلقاً ؟ فقال قوم: الصمت أفضل، قال الأحنف: النطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، أما النطق الحسن فينتفع به كل من سمعه.
أنت في جلسة فيها ثلاثون رجلا، إذا سكت نفدت ونجوت، أما إذا تكلمت بالحق نفعت ثلاثين، فالصامت ينتفع هو وحده، أما المتكلم بالحق فينفع كل من حوله، وهذا فرق كبير.
رجل من العلماء كان عند سيدنا عمر بن عبد العزيز فقال هذا الرجل: الصامت على علم كالمتكلم على علم، فقال عمر: إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالاً، ذلك لأن منفعته للناس أكبر.
فالمتكلم على علم أفضل ألف مرة من الصامت على علم.
هناك نقطة دقيقة ؛ إذا كان المرء يحدث بحديث في مجلس، وأعجبه الحديث، وشعر أنه هو طليق اللسان فصيح البيان، هذا من فلتات البيان، فليسكت إذا أعجبته نفسه، وشعر باستعلاء، وشعر بالتفوق والاستعلاء، وهو من مستوى راقٍ جداً، وأن هذا العلم هو خبرات متراكمة، وطلاقة وتعمق في اللغة، فاسكت أفضل لك.
لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر، العجب، إذا سكت الإنسان، وشعر أنه قوي بسكوته، وما بالغ الناس، وعرضت آلاف القضايا، ويعرف حلولها، ولكن بقي ساكتًا لا يجب أن يتكلم، يعني إن أعجبت بحديثك فاسكت، إذا كان سكوتك جعلك بمنأى عن الناس واستعلاء عليهم الكل تورط، والكل قال كلامًا غير لائق، وأنت بقيت ساكتًا، قل كلامًا صحيحا واخز الشيطان، وإن كان كلامك سيحجبك عن الله عز وجل فاسكت، فحيثما أعجبك الكلام، اسكت وحيثما أعجبك السكوت فتكلم، هذا الضابط الدقيق للموضوع.
آخر فكرة في الدرس، صوم الصمت حرام، ليس هذا في ديننا إطلاقاً، صوم الصمت حرام، فإذا ورد في غير ديننا فلا علاقة لنا به، هذا في شرع غيرنا، أما في شرعنا فصوم الصمت حرام، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا، والحمد لله رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين
إرسال تعليق