0

أُمَّاه،
كم أحْبَبتُ دومًا سماع الأحاديث والسِّيَر التي تَذكرك، ويأتي فيها ذِكر اسمك، ومواقفك، وآرائك الجريئة المؤدَّبة، وآلامك، وفرحك وغَيْرتك، وأحيانًا كَيْدك لبقيَّة أُمَّهاتنا.

آه يا أُمَّاه، كم أتألَّم لرؤية بعض أخواتي يَخْرجْنَ مُتبرِّجات كاسيات عاريات، وأذكر عندها جلبابك الأسود الضافي.

أُمَّاه، كثيرة هي الأيام التي أَذكرك فيها - رضي الله عنك - ولكني أعترفُ لك وأنا أشعر بالخَجَل منك، بأني قد ضيَّعت ملامحك أُمَّاه، لقد أثقلَ التكلُّف قَسمات وجهي، وران الحزن على قلبي، فازْدَادت سماكة جُدرانه، ولَم أَعُد أحسُّ بنَبَضات قلبك الجميل؛ ربما لأني تهتُ في طريق أخرى.

أُمَّاه، لقد تزايَد عددُ بناتك غير المتزوِّجات، ومع ذلك أسْمَعهم يتناقشون عن سبب زواجك المُبكر والفتن تَعِجُّ عجًّا، والدنيا في هَرْجٍ ومَرْجٍ، وهم يتحدَّثون عن الرجعيَّة والحداثة، والمعاصرة والجمود، وباب الاجتهاد هل هو مُغلق أو مفتوح، أو بينَ بين؟!

أُمَّاه، ما بالُ قلبي يَرتجف خوفًا عند وقوع مصيبة، أو مرض؟!
وما بالي لا أذكر عندها قولَك: أُفٍّ للجُبناء، أُفٍّ للجُبناء؟!

أُمَّاه، كلما ألَمَّ بي خَطْبٌ أو مصيبة، تذكَّرت مِحنتك وصَبْرك فيها، وتألَّمت لك ولي، ورأيتُ مِحنتي صغيرة أمام صبرك - رضي الله عنك وأرضاك.

أُمَّاه، كم أحتاج إليك، إلى إعادة قراءة سيرتك؛ لعلَّني أجد تلك الإشارات التي تُنير لي طريقي المُظلم، فقد تعدَّدت الطرق، وتشعَّبت إلى أَوْدِية جاذبة مُغرية، مُهلكة هالكة.

أُمَّاه، حنيني إليك يَزداد يومًا بعد يوم، وأنا في دنيا أخرى غير عالَمك، فأنيري عليّ من جَنَّتك شمعةً، أو ابْعَثي لي نفحة تَردُّ لرُوحي ألقها، ولقلبي نَبضَه.

أُمَّاه، اعْلَمي أني وكثيرات غيري يَتَمَنَّيْنَ جوارك، ورَزانة عقلك، ونَسَبك، وفضلك، وحُسن إيمانك - بإذن الله.

عليك سلامٌ منَّا ومن كلِّ المؤمنين بالله ورسوله.

إرسال تعليق

 
Top