بطل استقلال ليبيا، الرجل المناضل، السياسي والدبلوماسي، المستشار المؤتمن، والخطيب المفوه، إنه بشير السعداوي الذي عُين حاكماً أربع مرات في ليبيا وتركيا والسعودية ولبنان، فهو الليبي الأول والمسلم الذي حكم المسيحيين في لبنان، فأحبوه لعدله، وتمادوا في وصفه حتى شبهوه بالعادل عمر بن الخطاب.
ولد المناضل بشير السعداوي بمدينة الخمس شرقي طرابلس عام 1884م، ويرجع أصله إلى أهالي مصراته من قبيلة الغلالبة الذين انتقلوا إلى مدينة الخمس، وليست زمّورة كما يعتقد الكثير، وهو الشقيق الأصغر للمجاهد "نوري السعداوي"، حصل على تعليمه الأول على الطريقة الكُتابية، وذلك بقراءة القرآن في الزاوية السنوسية بمدينة سرت وأتم حفظه، ودرس الفقه المالكي وعلوم أخرى.
وهذا كله كان له الأثر في علاقته الروحية بالسادة السنوسية التي ظهرت فيما بعد في حياته التفاوضية. وكان تعليمه القرآني المحور الأكبر في تبلور شخصيته، وكان يستشهد بالآيات القرآنية في أحاديثه، وخطبه، وفي طرحه وعرضه لإقناع الغير. وكان حريصاً على وحدة البلاد وفي نفسه شعور عميق بالعزة الإسلامية، وكان يؤمن ويأمل بأن يحقق للإسلام كيانه ودولته.
يقول عنه "فؤاد شكري" في كتابه - مولد دولة ليبيا الحديثة- "كانت له عناية خاصة بالتطور الفكري والحركات الإصلاحية في الشرق، وكان يتتبع أفكار الأستاذ "محمد عبده"، و"جمال الدين الأفغاني"، ويتتبع نهضة "مصطفى كمال" وآراء "عبد الرحمن الكواكبي".
تخرَّج السعداوي من المدرسة الرشدية بالخمس سنة 1904م، ومن ثم عينته الحكومة التركية كاتب تحريرات في الخمس، ومفتشاً على الأعشار ثم مفتشاً على دوائر النفوس. هاجر بشير السعداوي إلى الشام في عام 1912م، وتقلّد عدة وظائف تركية هناك، وفي فبراير عام 1915م عينته الحكومة التركية قائم مقام "ينبع البحر" بالحجاز تابعاً لمتصرفية المدينة المنورة . عُين قائم مقام في قضاء "جزين" بلبنان في يناير 1918م، وكان أول قائم مقام مسلم يعين بها، وقد أظهر من العدل والتسامح والإنصاف مع السكان يفوق الوصف حتى مدحه "الخوري بطرس يواكيم" بقصيدة مطلعها:
ولم يفلح السعداوي في الوصول إلى مجلس النواب، حيث أُجريت أول انتخابات للمجلس في ديسمبر سنة 1951م، وكشّرت السياسة الإنجليزية أنيابها للسيد "بشير السعداوي" للتوجهات التي كان يعتنقها ويؤمن بها، فرغما للأكثرية الساحقة التي كانت لهذا السيد إلا إن جنسيته السعودية أو اللبنانية حالت دون دخوله في الانتخابات، ورفض الملك "إدريس السنوسي" إعطائه الجنسية الليبية فاضطر للانسحاب من الميدان خصوصاً وإنه كان قد شارف على السبعين من عمره (67 عام) فقد كان أكبر من الملك "إدريس السنوسي" سناً، فغادر طرابلس في يناير 1952م إلى الشام، وتوفي هناك حيث داهمته المنية ببيروت، وتلفظ أنفاسه الطاهرة في 17 من يناير 1957م عن عمر 73 عاماً رحمه الله. ثم أعيد برفاته العطرة سنة 1973م، ودفن في مدينة طرابلس بمقبرة الشهداء.
وقد تناول د. علي محمد الصلابي تاريخ ليبيا في فترة النضال ضد الاستعمار الإيطالي حتى تحقيق الاستقلال، وذلك في كتابه القيم عن التاريخ الليبي (الثمار الزكية للحركة السنوسية في ليبية - الجزء الثالث)، حيث ركز على دور الملك إدريس السنوسي والشهيد عمر المختار - رحمهما الله - في المقاومة الليبية في الشرق، لكنه لم يغفل ذكر مناضلي ليبيا الآخرين، فتحدث عن المقاومة التي قادها أحمد السويحلي وسعدون وصفي الدين السنوسي وبشير السعداوي في غرب ليبيا حتى سكنت حركة الجهاد في غربها، كما يدوِّن الكتاب للأجيال بعض القصائد الرائعة التي نظمها الأجداد شوقاً وحباً لديارهم، كقصيدة الأستاذ بشير السعداوي رحمه الله التي قال في مطلعها:
وقال أيضاً
إلى أن يقول
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.