تمر بنا أحياناً غفلة تعصف بقارب النفس ، وتأخذه بعيداً بعيداً عن الخط الموصل إلى الله ،
فينقطع حبل مرساة الأمل ، و تتكسر مجاديف العزم ، وتتملكنا الحيرة و نحن
نرى المياه تتسلل إلى القارب من كل صوب ، و الأشرعة تمزقها رياح البعاد
العاتية ، ومنارة الميناء يغيب ضؤها شيئاً فشيئاً حتى يختفي في ظلمة التيه
المريعة ، فلا يبقى إلا أن نرفع أبصارنا إلى السماء ونقول : يارب!!
إن أشد شيئ على النفس هو أن تشعر بالضياع ، هل سبق ورأيت طفلاً أضاع أمه !؟
لقد
رأيته مرة في الحرم ، كان يبكي بكاء مراً ، عيناه تدور في محاجرها في دهشة
، ما طفق ينشر بصره في كل ناحية عل بصره يسقط على أمه فتهدأ نفسه ، ما هي
إلا لحظات إلا وبدت الأم من بعيد تركض ناحيته و ترفع رأسها و تحركه يميناً و
شمالاً مع تحركات طفلها الصغير لكي لا تفقد مكانه ، فلله قلبها كم أصابه
الفزع والخوف، نهضت من مكاني و أمسكت بالطفل لكي تدركه أمه ، وهو بين يدي
ينتفض كالطير المذبوح ، كنت أحاول أن أفهمه أن أمه هناك : هيا انظر إليها! ،
و لكنه مازال يصرخ و كأني به يقول: أرجوك أعدني إلى أمي! ، انتزعت الأم
الطفل من يدي بقوة ، وراحت تضمه إلى صدرها و تقبله و تشمه ، ودموع عيناها
تنساب على ملثمها حتى أغرقته ، مضت دقائق وأنا أتأمل هذا العناق ، التفتت
إلي وقالت : جزاك الله خيراً ، كانت تقولها وهي تشهق من البكاء ، أما طفلها
الصغير فقد رأيته وقد هدأ و علت البسمة محياه.
ياه!! .. حقاً يا من تقرأ هذه الكلمات ، إننا لما نبعد عن الله ، نشعر بالضيق و الألم ، نشعر بأننا تائهون كهذا الطفل.
فهيا ! يا أخوة ها هو ضوء المنارة الربانية يضيء من جديد
، فالنسر إليه واثقي الخطى فهو الحضن الدافئ الذي يملأ أرواحنا طمئنينة،
لنقبل على رب الأرض و السموات نستجلب رحمته و نسأله أن لا نتوه مرة أخرى
عنه ، ومن أخطأ هذا الطريق و أبى العودة فلله قلبه ما أحزنه و أوحشه ، رمضان هو موسم العودة و الله يفرح بتوبة العبد أشد من فرح الأم بوليدها .
إرسال تعليق