0

بكاء عائشة رضي الله عنها من خشية الله


قالت: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال لي: ((ما يُبكيك؟)) قالت: يا رسول الله، ذكرتُ الدجال فبكيت... الحديث[1].

ومن خشيتها وشدة خوفها أنها كانت تقول: ليتني كنتُ شجرة، وفي رواية أخرى عن عمرو بن سلمة قال: قالت عائشةُ: والله لوددتُ أني كنت شجرة، والله لوددت أني كنت مَدَرة، والله لوددتُ أن الله لم يكن خلقني شيئًا[2].

وقالت: وددت أني مت وكنتُ نسيًا منسيًّا[3].

وكذا كانت إذا قرأت الآية: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33] بكَت بكاءً شديدًا حتى تبل خمارها[4].

حدَّثَت رضي الله عنها أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاءٍ أعطَته عائشةُ: والله لتَنتهِيَن عائشة أو لأحجرنَّ عليها! فقالت: أهو قال هذا؟! قالوا: نعم، قالت: هو لله عليَّ نذرٌ أن لا أكلِّم ابن الزبير أبدًا، فاستشفع ابنُ الزبير إليها حين طالَت الهجرة، فقالت: لا والله، لا أشفع فيه أبدًا، ولا أتحنَّث إلى نذري! فلما طال ذلك على ابن الزبير كلَّم المِسوَر بنَ مَخرَمة وعبدَ الرحمن بنَ الأسودِ بنِ عبد يَغوث - وهما من بني زُهرة - وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتُماني على عائشة؛ فإنها لا يحلُّ لها أن تَنذر قطيعتي.

فأقبل به المسورُ وعبدالرحمن مشتمِلَين بأردِيَتِهما حتى استأذَنا على عائشة، فقالا: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلُّنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلكم - ولا تعلم أنَّ معهما ابنَ الزبير - فلما دخلوا دخَل ابنُ الزبير الحجابَ فاعتنقَ عائشةَ، وطفِقَ يناشدُها ويَبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يُناشِدانها إلا ما كلَّمَته وقَبِلَت منه، ويقولان: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عمَّا قد علمت من الهجرة؛ فإنه ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال))، فلما أكثَروا على عائشة من التذكرة والتَّحريج طفِقَت تذكرهما وتبكي، وتقول: إني نذَرتُ، والنذر شديد! فلم يزالا بها حتى كلَّمَت ابنَ الزبير وأعتقَت في نذرها ذلك أربعين رقبةً، وكانت تَذكر نذرَها بعد ذلك فتَبكي حتى تبلَّ دموعُها خمارها[5].

ويقول أبو الضحى مسلمٌ: حدَّثني من سمع عائشة تقرأ في الصلاة: ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 27]، فتقول: مُنَّ عليَّ، وقِني عذاب السَّموم[6].

فهكذا كانت حياةُ عائشة رضي الله عنها مليئةً بالأعمال الفاضلة، والخصال النبيلة، مع الفضائل الجمَّة الواردةِ في شأنها، ومع ذلك عَظُم خوفها وخشيتُها من الله.


[1]رواه أحمد (6/ 75)، (24511).
[2] الطبقات لابن سعد (8/ 74)، والمتمنين لابن أبي الدنيا (1/ 48).
[3] الطبقات لابن سعد (8/ 74)، والمتمنين لابن أبي الدنيا (1/ 48).
[4] البخاري (4476)، وأحمد (1/ 220) (1905).
[5] البخاري (5725، 2314).
[6] عبد الرزاق في مصنفه (2/ 451) رقم (4048)، والبيهقي في شُعب الإيمان (2092).

إرسال تعليق

 
Top