بعد أن قضَت رضي الله عنها حياتها بأفضل
الأعمال وحسناتها، وجاء أجلُها المحدد الذي لا يتقدَّم ولا يتأخر، فمرضت
مرضَها الأخير، وجاءها ابنُ عباس يستأذن عليها وهي مغلوبةٌ، فقالت: أخشى أن
يُثني، فقيل: ابنُ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين،
قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينكِ؟ فقالت: بخير إن اتَّقيتُ، قال: فأنت
بخيرٍ إن شاء الله؛ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج بِكرًا
غيرك، ونزل عذرُك من السماء [1].
وكذا جاء في رواية أخرى، قال القاسم بن
محمد: اشتكَت عائشة رضي الله عنها، فجاء ابنُ عباس فقال: يا أمَّ المؤمنين،
تَقدَمين على فرَطِ صِدق؛ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر
رضي الله عنه [2].
ومعنى "فرَط صِدق": صادق، والفرَطُ: المتقدِّم على كل شيء.
والفرط: هو المتقدم على القوم في المَسير، وفي طلب الماء، وجاء في رواية أخرى بتفصيلٍ أكثر.
وكانت رضي الله عنها تحدِّث أولًا نفسها
أن تُدفَن في بيتها، فقالت: إني أحدثتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثًا؛ ادفنوني مع أزواجه، فدُفِنت بالبقيع رضي الله عنها [3].
وقال الذهبي: "وتَعني بالحدَث مسيرَها يوم
الجمل؛ فإنَّها ندِمَت ندامةً كليَّة وتابَت من ذلك؛ على أنها ما فعلت ذلك
إلا متأوِّلةً قاصدةً للخير، رضي الله عنها" [4].
ذكر طرَفٍ من مواعظها وكلامها:
عن عامر قال: كتبَت عائشة إلى معاوية: أمَّا بعدُ، فإن العبد إذا عَمل بمعصية الله عزَّ وجل عاد حامِدُه من النار ذامًّا [5].
وطلب معاوية منها يومًا حديثًا سمعَته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصحه فيه، فقالت له: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((من أرضى الناس بسخط الله، وكَلَه الله إلى الناس، ومن أسخط
الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس)) [6].
وفي رواية: ((مَن التمس رضا الله بسخط
الناس كفَاه الله مؤنةَ الناس، ومن التمسَ رضا الناس بسخط الله وكَله الله
إلى الناس، ومن أسخط الناس لِرضى الله كفاه الله مؤنةَ الناس)) [7].
وعنها رضي الله عنها قالت: إنَّكم لن
تلقَوُا الله بشيء خيرٍ لكم من قلَّة الذنوب؛ فمَن سرَّه أن يسبق الدائب
المجتهد فليَكُفَّ نفسه عن كثرة الذنوب [8].
[1] البخاري (4476).
[2] البخاري (3660).
[3] الحاكم في المستدرك (4/ 7)، وصحَّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي؛ وانظر الصحيحة للألباني (474).
[4] سير أعلام النبلاء (2/ 192).
[5]
رواه ابن أبي شيبة (11/ 123)، والزهد لابن أبي داود (323)، والزهد لأحمد
(1/ 265)، والزهد لابن المبارك (1/ 66)، والزهد لوكيع (565)، وعبد الرزاق
في المصنف (6/ 198).
[6] صحيح الجامع (6010).
[7] صحيح الجامع (6097).
[8] صفة الصفوة (2/ 32).
Related Posts
- سيرة السيدة عائشة15 May 20200
أُمّهات المؤمنين اختصَّ الله -سبحانه وتعالى- زوجات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بمنزلة رفيعة، ومكانة عظيمة من بين نساء المؤمنين، وفي ذلك قال ا...Read more »
- أسماء الصحابيات14 Apr 20170
من أسماء الصحابيات الصحابيات نساء عظيمات جليلات، قدمن للإسلام أمور كثيرة، كما ضحين بأنفسهن وأموالهن من أجل إعلاء كلمة الله، وكلمة الحق، واتصفن بعد...Read more »
- صديقة بيت النبوة (قصيدة)04 Jan 20160
يَا عاتِبُ، استَبقِ النَّدَى بموَدَّتِي بَعضُ العِتابِ يُرِيقُ ماءَ الأُلفَةِ سَاءلتَنِي: مَا بالُ شِعركِ قَدْ غَفَا مَا نَالَ أُم...Read more »
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.