0

وفاة عائشة رضي الله عنها

وبعض مواعظها


بعد أن قضَت رضي الله عنها حياتها بأفضل الأعمال وحسناتها، وجاء أجلُها المحدد الذي لا يتقدَّم ولا يتأخر، فمرضت مرضَها الأخير، وجاءها ابنُ عباس يستأذن عليها وهي مغلوبةٌ، فقالت: أخشى أن يُثني، فقيل: ابنُ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينكِ؟ فقالت: بخير إن اتَّقيتُ، قال: فأنت بخيرٍ إن شاء الله؛ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج بِكرًا غيرك، ونزل عذرُك من السماء [1].

وكذا جاء في رواية أخرى، قال القاسم بن محمد: اشتكَت عائشة رضي الله عنها، فجاء ابنُ عباس فقال: يا أمَّ المؤمنين، تَقدَمين على فرَطِ صِدق؛ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر رضي الله عنه [2].

ومعنى "فرَط صِدق": صادق، والفرَطُ: المتقدِّم على كل شيء.

والفرط: هو المتقدم على القوم في المَسير، وفي طلب الماء، وجاء في رواية أخرى بتفصيلٍ أكثر.

وكانت رضي الله عنها تحدِّث أولًا نفسها أن تُدفَن في بيتها، فقالت: إني أحدثتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثًا؛ ادفنوني مع أزواجه، فدُفِنت بالبقيع رضي الله عنها [3].

وقال الذهبي: "وتَعني بالحدَث مسيرَها يوم الجمل؛ فإنَّها ندِمَت ندامةً كليَّة وتابَت من ذلك؛ على أنها ما فعلت ذلك إلا متأوِّلةً قاصدةً للخير، رضي الله عنها" [4].

ذكر طرَفٍ من مواعظها وكلامها:
عن عامر قال: كتبَت عائشة إلى معاوية: أمَّا بعدُ، فإن العبد إذا عَمل بمعصية الله عزَّ وجل عاد حامِدُه من النار ذامًّا [5].

وطلب معاوية منها يومًا حديثًا سمعَته من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصحه فيه، فقالت له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أرضى الناس بسخط الله، وكَلَه الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس)) [6].

وفي رواية: ((مَن التمس رضا الله بسخط الناس كفَاه الله مؤنةَ الناس، ومن التمسَ رضا الناس بسخط الله وكَله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس لِرضى الله كفاه الله مؤنةَ الناس)) [7].

وعنها رضي الله عنها قالت: إنَّكم لن تلقَوُا الله بشيء خيرٍ لكم من قلَّة الذنوب؛ فمَن سرَّه أن يسبق الدائب المجتهد فليَكُفَّ نفسه عن كثرة الذنوب [8].


[1] البخاري (4476).
[2] البخاري (3660).
[3] الحاكم في المستدرك (4/ 7)، وصحَّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي؛ وانظر الصحيحة للألباني (474).
[4] سير أعلام النبلاء (2/ 192).
[5] رواه ابن أبي شيبة (11/ 123)، والزهد لابن أبي داود (323)، والزهد لأحمد (1/ 265)، والزهد لابن المبارك (1/ 66)، والزهد لوكيع (565)، وعبد الرزاق في المصنف (6/ 198).
[6] صحيح الجامع (6010).
[7] صحيح الجامع (6097).
[8] صفة الصفوة (2/ 32).

إرسال تعليق

 
Top