0
يحيى بن موسى الزهراني
   بسم الله الرحمن الرحيم

آداب الزيارة مقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
زيارة المسلم لأخيه المسلم من الواجبات التي يجب أن يحرص عليها، خاصة في مناسبات الفرح والحزن، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) [متفق عليه]. ولكل مناسبة من مناسبات الزيارة آداب تخصها، ويحرص عليها المسلم .
فقد حرص الإسلام على تربية المسلمين تربية شرعية ، وفق الكتابين الوحيين ، القرآن الكريم ، وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن جملة ذلك أن يتأدب المسلم والمسلمة بالآداب الشرعية ، ويلتزم بالحقوق المرعية ، يعرف واجباته نحو الآخرين ، وحقوقه عليهم ، فيؤدي الذي عليه ، ويأخذ الذي له ، ومن هذه الآداب العظيمة الكثيرة : آداب الزيارة ، التي أضحت ميتة عند كثير من الناس ، وإنني هنا أُذكِّر كل مسلم ومسلمة بهذه الآداب لعل الله أن ينفعنا بها جميعاً ، ويجعلها ذخراً لنا عنده إنه خير مسؤول ، وأكرم مأمول .
ومن هذه الآداب ما يلي :

1- استحضار النية الصالحة :

النية يترتب عليها قبول العمل ورده ، انظر لحديث عمر رضي الله عنهما الذي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . . . الحديث " [ متفق عليه ] .
فالرجل ربما يصلي وهو في صلاته انقطعت نيته لسبب من الأسباب فهنا صلاته باطلة
المقصود من هذا أن النية يقوم عليها قبول العمل ورده ، وكم من اثنين يعملان عملاً واحداً وبينها من الفرق كما بين السماء والأرض فهذا ربما يتصدق ويكون مخلصاً لله والآخر يقصد مراءاة الناس ، فالأول عمله مقبول ، والآخر عمله مردود .
فعلى الزائر أن يقصد بزيارته وجه الله تعالى إذا زار أرحامه ، أو صديقه ، أو جاره ، أو أي شخص ، فعليه أن ينوي بذلك صلة الرحم ، وينوي بزيارته الأخوة في الله ، والمحبة في الله تعالى فقط ، استجابة لأمر الله ، ورجاء موعوده وثوابه .
وليحذر الرياء والسمعة ، فلا يقصد بزيارته أن يقال : إن فلان يصل رحمه ، أو يصل إخوانه ويزورهم ، سباقاً للخير ، متواصلاً مع الناس ، فليحذر من ذلك حتى لا يخسر عمله ، فالعمل المتقبل لابد فيه من توفر شرطين :
الأول : أن يكون خالصاً لله ، ويقصد به وجهه .
والثاني : أن يكون موافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدليل على ذلك ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا ، غير أني أحبه في الله ، قال : فإني رسول الله إليك ، إن الله قد أحبك كما أحببته فيه " [ رواه مسلم ] .

2- عدم الإكثار من الزيارة :

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " زر غباً ، تزدد حباً " [ رواه الطبراني وصححه الألباني ] .
يعني زر أحياناً واقطع أحياناً أخرى ، لأن من الناس من هو أذية ، تراه يجلس عند المزور من بعد العصر حتى ساعة النوم ، يأكل من بقايا الغداء ، وربما أخذ قسطاً من الراحة بعد الطعام في بيوت الناس ، ثم بعد المغرب يجلس للقهوة والشاي ، وينتظر حتى وقت طعام العشاء ثم يذهب لزيارة شخص آخر ، وكأنه في فندق وبوفيه مفتوح ، الناس يستحيون منه ، وهو لا يستحيي منهم ، وقد تجاوز الحد في الجفاء وقلة الحياء ، فما هكذا تكون الزيارة ، ثم تراه من الغد يأتي أيضاً للزيارة نفس البيت ، وربما اليوم الثالث والرابع وهكذا ، والسنة لم تأت بذلك ، بل زر الناس يماً في الأسبوع ، أو الأسبوعين ، حتى إذا أتيت بعد هذه المدة كان لك قبولاً عندهم ، ولا تطيل المكوث ، اجلس نصف ساعة أو ما قاربها ثم انصرف غير ناظر إلى طعام أو مبيت ، فبيتك سيؤويك ، وإن لم يكن لك بيت ، فالفنادق في كل مكان .

3- الابتعاد عن الأوقات المنهي عنها في الزيارة :

ويظهر ذلك جلياً في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ النور 58 ] .
قال ابن كثير رحمه الله : " هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض. وما تقدَّم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض. فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنَهم خَدَمُهم مما ملكَت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال: الأول من قبل صلاة الغداة؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نيامًا في فرشهم { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ } أي: في وقت القيلولة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله، { وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ } لأنه وقت النوم، فيُؤمَرُ الخدمُ والأطفال ألا يهجمُوا على أهل البيت في هذه الأحوال، لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله، ونحو ذلك من الأعمال .
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِى عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ يَأْتِى فِيهِ بَيْتَ أَبِى بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَىِ النَّهَارِ ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِى الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا ، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا جَاءَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى هَذِهِ السَّاعَةِ ، إِلاَّ لأَمْرٍ حَدَثَ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَبِى بَكْرٍ « أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَاىَ . يَعْنِى عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ . قَالَ : " أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِى فِى الْخُرُوجِ " . قَالَ الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " الصُّحْبَةَ " . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِى نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا . قَالَ : " قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ " [ رواه البخاري ] .
الشاهد من الحديث : هو قدوم النبي صلى الله عليه وسلم في وقت ليس بوقت زيارة ، وهو وقت القيلولة ، وتعجب أبي بكر من زيارة النبي في هذه الساعة دلالة أن هذا الوقت ليس بوقت زيارة عندهم .

4- الزيارة النافعة :

من الناس من يأخذ أوقات الزيارة للضحك والعبث والقيل والقال وما لا فائدة منه ، بل ربما يحصل في المجلس سب وشتم وغيبة ونميمة ، وهذه من كبائر الذنوب ، وقلما ينفك ذلك عن المجالس اليوم ، إلا من رحم الله ، هناك من الناس من إذا اشهى السوالف والدردشة ، قام بزيارة الناس في أي وقت ، حتى في أوقات قيلولتهم ، وفي أوقات راحتهم ، وفي أوقات طعامهم ، وفي أوقات جلساتهم الخاصة ، ويهذري بالكلام ، ويضرب به يمنة ويسرة ، ولا يلقي له بال ، أحرام أم غير ذلك ، فهذا زيارته لا خير فيها ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ، يزل بها فى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " [ رواه البخاري ومسلم عن أبى هريرة ] .
وقال عليه الصلاة والسلام : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها فى جهنم " [ رواه البخاري عن أبى هريرة ] .
فنقول على الإنسان إذا زار أحداً أن يسعى جاهداً للاستفادة من هذا الوقت ، لأنه سوف يسأل عنه يوم القيامة ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، فهناك من الناس من يتكلم بكلام لا فائدة منه أبداً ، بل ربما كان ضرراً ، وبعضهم من بداية زيارته إلى نهايتها وهو يدير الضحك والنكات التي ربما يعتريها بعض الكذب ، حتى يقول بعض الناس : أن المجلس لا يصلح حتى يحضره فلان ، وهم يعينونه على معصية الله ، والشيطان يؤزهم أزاً على المعصية من حيث لا يشعرون ، فأقول لمن هذا حاله ، تأمل هذا الحديث في تحريم الكذب ولو كان الإنسان مازحاً :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقُولَ الْكَلِمَةَ لا يَقُولُهَا إِلا لِيُضْحِكَ بِهَا النَّاسَ ، يَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَإِنَّهُ لَيَزِلُّ عَنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَزِلُّ مِنْ قَدَمِهِ " [ رواه البيهقي والخرائطي وغيرهما ] .
وعَنْ بَهْزِ بن حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ ، وَيْلٌ لَهُ ، وَيْلٌ لَهُ " .
وفي لفظ آخر يَقُولُ : " وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ النَّاسَ كَاذِبًا لِيُضْحِكَهُمْ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ " .
فاحرص أيها الزائر الكريم ، على أن تفيد وتستفيد ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، ولا بأس بالزيارة الطيبة التي لا يعتريها مثل تلكم الأمور المحرمة .
وهناك ما هو مثل الكلام أو أشد منه مثل : لعب البلوت ، ومشاهدة الفضائيات ، وشرب الدخان ، وشرب الشيشة وغير ذلك من المنكرات أثناء الزيارة .

5- مراعاة أوقات طلبة العلم :

على الإنسان أن يتحين الأوقات المناسبة للزيارة ، ويكون ذلك بعد الاتصال وأخذ موعد للزيارة ، مثل مابين المغرب والعشاء ، لأنه وقت قصير ربما فرغه كثير من الناس للزيارة والاستقبال وعلى الشخص أن يراعي أوقات طلبة العلم لأن طلبة العلم وقتهم أو أغلب وقتهم مشغول بالقراءة وتحرير المسائل وكتابة الفوائد أو مراجعة القرآن الكريم ومدارسته ، وتجهيز وإلقاء الدروس العلمية والمحاضرات ، وهناك أوقاتاً تصرف لصالح الأسرة ، وبعض الناس يأتي في أوقات محرجة للزائر ، وليس من اللائق أن تزور الناس لاسيما في هذه الأزمنة إلا بعد الاستئذان عن طريق الاتصال الهاتفي ، فإن أذن لك وإلا فارجع ، ولا تحمل في قلبك غيظاً على أخيك فلا تدري ما عذره .

5- أن يغض بصرة عن محارم البيت :

من الأشخاص من إذا زار الناس في بيوتهم ، أطلق العنان لبصره يتأمل هذه وهذه ، وربما خشي صاحب المنزل من العين أو الحسد .
وربما أطلق البصر إلى داخل المنزل ويتأمل الداخل والخارج ، بل ربما وقع بصره على محارم البيت ، وهنا قد يقع النزاع والمشاكل بسبب ذلك ، إذ قد يصف ما رأى وينقله لغيره فتقع بذلك مفاسد لا تخفى على العاقل ، إذا قد تستغل هذه النظرات في استغلال أهل البيت .
قال ابن عباس في قوله : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } وهو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غَضّ، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض [ بصره عنها ] ، وقد اطلع الله من قلبه أنه وَدّ أن لو اطلع على فرجها [ رواه ابن أبي حاتم ] .

6- أن يجلس الضيف حيث يأذن له صاحب البيت :

على الزائر أن يجلس حيث أذن له صاحب البيت ، ولا يرفض ذلك ، فصاحب البيت أدرى ببيته وعوراته ، فربما جلس الرجل في مجلس يكون عرضة لمشاهدة أهل البيت ومحارمه ، فربما رأى شيئاً يكره صاحب البيت النظر إليه .
ور بما يغضب بعض الناس إذا وضع في مكان ليس صدراً للمجلس ، وليس لهذا الغضب مبرراً .
وليعلم الزائر أنه متى استأثر بالحديث وصرف نظر الناس إليه فهو صدر المجلس .

7- أن لا يطلق لنفسه العنان في أثاث البيت :

لا شك أن كل إنسان يسعى ليكون بيته من أجمل البيوت وأحسنها ، وإن كان ذلك ليس من الزهد ، لكن الناس اليوم يسعون لذلك ، ولو كلفهم علق القرب ، بل لو أدى ذلك إلى أن يستدين ، ولا شك أن ذلك خطأ ، والصواب أن الإنسان يصرف بقدر ما آتاه الله عز وجل ، أما أن يتحمل الأعباء والديون ليظهر بمظهر ليس بمظهره ، فهذا لا ينبغي .
المقصود أن هناك من الزوار من يطلق بصره في أثاث المنزل ، ويسأل بكم هذه ، وهذه ، حتى يحرج صاحب المنزل .
ويسأل من أين اشتريت هذه ، وبكم ، وهل يوجد أفضل منها ، ولماذا لم تأخذ أحسن منها ، وهكذا يظل يسأل ويستفسر ، وهذا لا يليق ، وليس من آداب الزيارة .

8- أن لا يرفع صوته :

على الزائر أن يكون متأدباً بأدب الزيارة ، فإذا زار الناس في بيوتهم فليخفض صوته ولا يرفعه ، لأن من الناس من يسمع صوته من خارج المنزل ، وهذا ليس من الأدب والاحترام ، بل عليه أن يخفض صوته ويكظمه .

9- أن لا يتجسس أو يتسمع على أهل البيت :

لقد ذُكر لنا أن هناك من الناس من إذا قام صاحب المنزل لجلب القهوة والشاي أو غير ذلك ، بدأ ينظر من ثقوب الأبواب إلى أهل البيت وحرماته ، ولا ريب أن ذلك من الأمور المحرمة ، والله عز وجل حرم التجسس ، فقال سبحانه : " ولا تجسسوا " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ولا تجسسوا " .
وقد جاء التوجيه النبوي الكريم بفقأ عين من كان هذا حاله ، ولا دية له ولا قصاص .
بل عينه هدر .

10- أن لا يترك أولاده يعبثون في بيوت الناس :

حبذا لو اقتصر الزوار في مثل هذه الأيام على الرجل والمرأة والكبار المميزين ، لأن من الناس كما قلت سابقاً ، قد كلفه بيته مئات الآلاف بل ربما تجاوز المليون ريال ، فيأتي الرجل أو المرأة بأطفالهما للزيارة ، ولاسيما إذا لم يكن هناك توجيه وإرشاد للأبناء قبل الزيارة ، فربما دمروا وكسروا ولعبوا وعبثوا في بيوت الناس ، ويكسرون ويحطمون ، فلا ينصرف من زيارته إلا وحال أهل البيت يتنفسون الصعداء ، ويقولون : لعلها الزيارة الأولى والأخيرة .
فحافظ أيها الزائر وأيتها الزائرة على أطفالكم ، وامنعوهم من العبث واللعب ، وأقلوا من الزيارة وأوقاتها .
ومن علم من أبنائه العبث واللعب فعليه أن يتركهم مع من هو أكبر منهم من العقلاء من إخوانهم ، حتى يسلموا من عتاب الآخرين ، وألا يستثقلوا زيارته .

11- أن لا يؤم أهل البيت في بيتهم :

في هذا الأمر ورد حديث عند الإمام أحمد والترمذي وأبو داود ، عَنْ أَبِى عَطِيَّةَ قَالَ : كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يَأْتِينَا فِي مُصَلاَّنَا يَتَحَدَّثُ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ يَوْمًا فَقُلْنَا لَهُ تَقَدَّمْ ؟ فَقَالَ : لِيَتَقَدَّمْ بَعْضُكُمْ ، حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ لِمَ لاَ أَتَقَدَّمُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلاَ يَؤُمَّهُمْ ، وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ " [ صححه الألباني ، وقَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ ، قَالُوا : صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ مِنَ الزَّائِرِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِذَا أَذِنَ لَهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَشَدَّدَ فِي أَنْ لاَ يُصَلِّيَ أَحَدٌ بِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ. قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ لاَ يُصَلِّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا زَارَهُمْ يَقُولُ لِيُصَلِّ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ] .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ ، وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ " فَإِذَا أَذِنَ فَأَرْجُو أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْكُلِّ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا إِذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِه .
وقال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم 2/ 477 : " أَنَّ صَاحِب الْبَيْت وَالْمَجْلِس وَإِمَام الْمَسْجِد أَحَقّ مِنْ غَيْره ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْر أَفْقَه وَأَقْرَأ وَأَوْرَع وَأَفْضَل مِنْهُ ، وَصَاحِب الْمَكَان أَحَقّ فَإِنْ شَاءَ تَقَدَّمَ ، وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ مَنْ يُرِيدهُ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُقَدِّمهُ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْحَاضِرِينَ ؛ لِأَنَّهُ سُلْطَانه فَيَتَصَرَّف فِيهِ كَيْف شَاءَ " .

12- الزيارة الثقيلة :

هذه النقطة محورية في موضوعنا هذا ، لأن من الناس من يأتي لزيارة قريبه لاسيما في الإجازات والمناسبات ، فيأتي بأسرته كاملة ، بالبيت وما حمل ، ثم يثقل كاهل الرجل وزوجته وأولاده ، إذ الأطفال مظنة اللعب والتخريب والعبث ، خصوصاً إذا كان البيت جديداً وجميلاً ولا يسع أكثر من أهل البيت ، فيأتي هذا بأسرته ويفحشهم ويضيق عليهم ، حتى وكأنه هو صاحب البيت ، فيطلب ويأمر وينهى ، وصاحب المنزل كأنه ضيف في بيته ، لا يتكلم ولا يرد على الخطأ ، استحياءً من ضيفه ، ولا شك أن هذا الضيف ثقيل الدم ، قليل الأدب ، عديم المروءة ، لقد وجد من الناس من يأتي بأسرته فوق أسرة قريبه حتى تشتعل البغضاء ، ويحتدم الصراع ، وتحدث المصادمات والمشاجرات بين الأطفال ، ثم يقع فيها الكبار .
يا أخي الزائر الحبيب : إذا أتيت لزيارة قريبك ، فأول ما تبدأ به حال وصولك وأسرتك بالسلامة للمنطقة التي تريدها ، بادر بالبحث عن فندق أو شقة مفروشة ، حتى لا تؤذِي ، ولا تؤذَى ، وبعد أن تستريح في شقتك ، اتصل بقريبك وأبلغه أنك وصلت ، ثم قم بزيارته ، وإني على يقين أنك إن فعلت ذلك ، فسوف تكبر في عين قريبك هذا ، ولسوف يمتدح صنيعك هذا في كل مجلس يجلسه .
لأن النفوس ضاقت ذرعاً بالناس ، فلم يعد الشخص يتحمل أبناءه ، فكيف سيتحمل عبء أسرتين أو أكثر .
لقد وجدنا من القصص ما يؤلم حقيقة في موضوع الزيارة ، التي يقوم بها بعض الأقارب لبعضهم ، يأتون إليهم للزيارة فيبقون شهراً أو أقل أو أكثر ، يأكلون ويشربون وينامون ، وربما كان صاحب المنزل لا يملك ما يكفيه وأسرته ، فكيف سيتحمل نفقات أسرتين ، لاسيما ونحن في غلاء للمعيشة .
من الزوار من يستخدم خصوصيات أهل المنزل ، كالمناشف ، وفرش الأسنان ، وحفائظ الأطفال وحليبهم ، وأدويتهم ، بل بلغ ببعضهم أنه يطبخ في بيت الناس ويأكل هو وأولاده ، ولا يدعو صاحب البيت وأهله .
ومع ذلك كله ، يا ليته يقدم شيئاً من المال كمساعدة ، أو يشتري شيئاً من السوق إذا عرف أن صاحب البيت لن يقبل المال منه ، يا ليته مع ذلك يذهب ويشتري بعض ما يحتاجه البيت من مؤونة وأرزاق ، وجميع ما يحتاجه هو وأفراد أسرته من الخصوصيات ، بل من الناس على النقيض من ذلك كله .
ولا يكلف نفسه يوماً ويأت بطعام من الخارج ، بل ترى صاحبة المنزل وربة البيت في تعب متواصل ، وقلق وهم ونصب ، ولا يخرج أولئك حتى يذهب أهل البيت إلى المستشفى أو لأحد القراء من جراء ما أصابهم من وهن وضعف وجوع وعدم راحة وقلة نوم .
فهذه هي الزيارة الثقيلة .

13- مناصحة أهل البيت عند وجود المنكر :

بعض البيوت لا تخلو من منكرات وأمور غير صحيحة ، مثل الصور المعلقة على الجدران ، أو بعض التماثيل والحيوانات المحنطة ، ومعلوم أن النصوص وردت بتحريم الصور والتماثيل ، وأن البيت الذي فيه مثل هذه المخالفات لا تدخله الملائكة ، بل تسكنه الشياطين وتعيث فيه الفساد .
وعليه مناصحة من لا يصلي أو من يعق والديه أو يسمع الأغاني ، ولا يخشى في ذلك لومة لائم ، ويقصد بهذه النصائح وجه الله تعالى ، لا يقصد رياءً ولا سمعة ، حتى يُتقبل منه ما يقول ، وعليه مراعاة الأسلوب الحسن ، والدعوة باللين ، والحكمة والموعظة الحسنة .

14- ألا ينصرف إلا بعد استئذان أهل البيت :

كما دخل البيت باستئذان ، فإنه لا يخرج بعد الزيارة إلا باستئذان ، لأنه ربما وقع على محارم البيت ، ونظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا زار أحدُكم أخاه فجلس عندَه ، فلا يقومَنَّ حتى يستأذنَه " [ أخرجه الديلمي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 583 ] .
قال العلامة المحدث الشيخ / الألباني رحمه الله تعالى : " وفي الحديث تنبيه على أدب رفيع وهو أن الزائر لا ينبغي أن يقوم إلا بعد أن يستأذن المزور ، و قد أخل بهذا التوجيه النبوي الكريم كثير من الناس في بعض البلاد العربية ، فتجدهم يخرجون من المجلس دون استئذان ، و ليس هذا فقط ، بل و بدون سلام أيضاً ! و هذه مخالفة أخرى لأدب إسلامي آخر ، أفاده الحديث الآتي : " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فيسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة " [ السلسلة الصحيحة 1/ 181 ] .

15- شكر أهل البيت على استضافتهم له :

لا شك أن زيارة الناس في الله تعالى من الآداب التي دعا إلى الشرع الحكيم ، لاسيما زيارة الأرحام والأقارب ، ولا شك أيضاً أن قبول الناس لزيارتك وترحيبهم بالزائر من المعروف بين الناس ، ومن الفضل والمروءة ، وحسن الأخلاق ، ومن الإحسان إلى الزائر ، وكما أن في رفضه وعدم قبول زيارته ضيق له ، وكسر لخاطره ، فإن في قبول زيارته والترحيب به بشر له وبشاشة ومحبة لصاحب البيت ، وهذا من الإحسان ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى .
فإذا أراد الخروج من البيت شكر أهله على حسن الضيافة ، ويدعو لهم بالخير ، كأن يقول : جزاكم الله خيراً على حسن الاستضافة ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ ، وَمَنْ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ ، وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ، وَمَنْ اسْتَجَارَكُمْ فَأَجِيرُوهُ " [ رواه أحمد وغيره ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط البخاري ، وصححه الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع برقم 5937 ] .

16- الخروج مع الزائر إلى باب الدار :

من تمام الزيارة والضيافة ، وحسن الرعاية ، والخلاق الحسنة ، ودليل على احترام وتقدير الزائر ، تانيس الزائر حتى يغادر المنزل ، ولا شك أن ذلك يزيد من المحبة بين الطرفين ، فيشعر الزائر بقيمته وقدره عند المزور ، ولا يوجد في ذلك نص شرعي أو خبر صحيح ، وإنما هي آثار عن السلف الصالح لهذه الأمة ، وما ثبت بالتجربة اليوم بين الناس ، زار ابو عبيد القاسم بن سلام ، أحمد بن حنبل ، قال أبو عبيد : فلما أردت القيام قام معي ، قلت : لا تفعل يا أبا عبد الله ، فقال الشعبي : من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه . . " [ الآداب الشرعية 3/227 ] .
وبهذا نختتم هذه الآداب الشرعية المهمة التي ينبغي على كل مسلم أن يعمل بها أثناء زيارته للآخرين أو زيارتهم له ، والله تعالى أعلى وأعلم ، وأجل وأحكم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

إرسال تعليق

 
Top